اكتسبت شركة التبغ العملاقة وشريكها التجاري منذ فترة طويلة موطئ قدم كبير في مصر ، حيث باعت البلاد حصصاً في شركة التبغ الحكومية.
كان الاقتصاد المصري في حالة من الفوضى، وكانت حكومتها في حاجة ماسة إلى الدولار الأمريكي.
في أبريل 2022 ، منحت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي ترخيصاً مهماً لتصنيع السجائر لكيان خاص مقابل ضخ نقدي. هذه الخطوة كانت تعد تحولاً كبيراً : بحكم أنه لعقود من الزمان ، كان بيع السجائر حقٌ حصري لشركة التبغ التي تسيطر عليها الدولة والتي كانت مربحة للغاية ، الشركة الشرقية إيسترن كومباني Eastern Co. SAE.
بعد ستة عشر شهراً، وبعد ضغوط من صندوق النقد الدولي لخصخصة أصول الدولة، وافقت مصر على بيع حصتها التي تسيطر بها على شركة "إيسترن كومباني"، مما جعلها مساهم أقلية في أكبر شركة تبغ في الشرق الأوسط.
الصفقتان الملفوفتان بالسرية حولت سادس أكبر سوق للسجائر في العالم باستبدال احتكار الدولة باحتكار يسيطر عليه القطاع الخاص. ومن بين الفائزين عملاق التبغ فيليب موريس إنترناشيونال وشريكه التجاري وموزعه منذ فترة طويلة وهو رجل أعمال إماراتي بارز ذو علاقات سياسية يدعى عبدالله الحسيني.
أثارت التاشيرات أن القطاع قد يصبح أكثر فعالية وشراسة في كسب السوق، قلق خبراء الصحة الذين يخشون ارتفاعا حادا في المبيعات في واحد من الأماكن القليلة في العالم التي لم تصل معدلات التدخين فيها الى حدها الاقصى.
"هذه الخصخصة سيكون لها حتماً آثار صحية واقتصادية سلبية للغاية في بلد يعاني من أضرار التبغ وصعوبات التعامل معها" ، هذا ما قالته آنا جيلمور ، مديرة مجموعة أبحاث مكافحة التبغ في جامعة باث.
قامت The Examination مع مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) بمراجعة مئات الوثائق من سجلات الشركات وإيداعات الأوراق المالية والوثائق القانونية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة ، وأجرت مقابلات مع مسؤولين مصريين حاليين وسابقين، واشخاص مطلعين على صناعة التبغ ، ومسؤولين في الصحة العامة وخبراء اقتصاديين، لتجميع صورة مفصلة حول هذه الصفقات المثيرة للجدل وهي الأدق حتى اليوم.
ويظهر التقرير أن مصر، التي كانت تعاني من نقص في العملة الصعبة، رضخت لضغوط من صندوق النقد الدولي والدائنين مثل الإمارات العربية المتحدة لخصخصة جوهرة من الأصول المملوكة للدولة. ثم أقدمت الحكومة على تنظيم صفقتين غامضتين مهدتا الطريق أمام فيليب موريس إنترناشيونال والحسيني لدخول سوق مربحة و متنامية - بينما منافسي فيليب موريس إنترناشونال يشتكون من أن العملية كانت غير نزيهة حسب رأيهم.
وتأتي الصفقتان، اللتان تم إبرامهما دون إفصاح عام كافي، في الوقت الذي تعهدت فيه شركة فيليب موريس إنترناشونال بـ"إزالة التدخين من العالم" وفطم نفسها عن مبيعات السجائر لصالح منتجات النيكوتين الجديدة.
كان الحسيني، الذي عمره 66 عاما، يوزع سجائر فيليب موريس إنترناشونال في الشرق الأوسط منذ أوائل التسعينيات على الأقل. وهو يتمتع بعلاقات جيدة في العالم العربي: من ضمن شركائه التجاريين الآخرين كان هناك وزير خارجية سابق في الإمارات وكذلك الملياردير محمد العبار، قطب العقارات الذي طور برج خليفة في دبي، أطول مبنى في العالم. في دعوى قضائية عام 2020 رفعت في نيويورك، ادعى شريك تجاري آخر لشركة فيليب موريس إنترناشونال أنه في تسعينيات القرن السابق، تعاونت شركة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحسيني مع عملاق التبغ لتهريب السجائر في المنطقة والاستهزاء بالعقوبات الأمريكية على ليبيا. ورفضت الدعوى لأسباب تتعلق بالاختصاص القضائي.
رفضت شركة فيليب موريس إنترناشونال التعليق على أسئلة مفصلة حول هذه القصة، بما في ذلك مزاعم التهريب التي أثيرت في الدعوى، لكنها قالت "هذا لا يشكل اعترافاً بأن أياً من الادعاءات التي طرحتموها صحيحة أو غير صحيحة". كما لم يرد الحسيني والحكومة المصرية على الرسائل المتكررة التي طلبت التعليق على هذه القصة.
كليوباترا: ملكة السجائر
تم تأميم الشرقية في عام 1956 في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وتمتعت باحتكار في مصر لعقود. يقع مقرها الرئيسي في الجيزة ، ليس بعيداً عن تمثال أبو الهول، وتشتهر الشركة محلياً بعبواتها ذات اللون القشي لسجائر كليوباترا المزينة بصورة للملكة الأيقونية.
وبحلول العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، استحوذت سجائر كليوباترا، إلى جانب أنواع أخرى من سجائر الشرقية ، على حوالي ثلثي سوق السجائر في مصر وكانت واحدة من أكثر السجائر التي تباع في الشرق الأوسط. وأما السجائر الأجنبية الاكثر غلاءا مثل سجائر فيليب موريس إنترناشونال وبريتيش أمريكان توباكو بي إل سي و شركة اليابان الدولية للتبغ، فكانت تباع في البلاد فقط إذا تم تصنيعها في مصنع الشرقية المصري بموجب شروط تعتبرها الشرقية نفسها "مناسبة" ، وفقا لعرض مالي لعام 2020 من قبل الشركة. جعل هذا الوضع الشرقية واحدة من أثمن أصول الحكومة المصرية. في عام 2021 حققت الشركة أرباحا قدرها 274 مليون دولار من مبيعات قدرها مليار دولار. دخن المصريون 108 مليار سيجارة في ذلك العام، أي ضعف عدد السجائر التي تم استهلاكها في البرازيل في نفس السنة، وهي دولة يبلغ عدد سكانها ضعف عدد سكان مصر تقريباً.
تغير الوضع في أوائل عام 2021 عندما أعلنت الهيئة العامة للتنمية الصناعية المصرية، وهي الجهة الحكومية المكلفة بتنفيذ السياسة الصناعية، أنها ستقدم ترخيصاً لشركة ثانية لتصنيع السجائر للتنافس مع شركة الشرقية.
كما كان يمنح الترخيص الجديد للمرخص له الحق في تصنيع السجائر الإلكترونية ومنتجات التبغ المسخن ذات الشعبية المتزايدة.
مبدئيا، كانت الترخيص سيمر عبر مناقصة مفتوحة. ولكن في الواقع، الشروط كانت تبدو انها لصالح شركة واحدة: فيليب موريس إنترناشونال. حددت كراسة شروط المناقصة الصادرة عن الهيئة أن على المرخص له الجديد أن ينتج ما لا يقل عن 15 مليار سيجارة سنوياً في مصر. شركة دولية واحدة فقط ، فيليب موريس إنترناشونال، باعت هذا العدد من السجائر سنوياً في البلاد.
واحتج ممثلو شركة "بريتيش أمريكان توباكو" وشركة "جابان توباكو وإمبريال جروب" - التي كانت مبيعاتها مجتمعة أقل من 15 مليار سجارة سنويا - في رسائل مشتركة إلى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي.
ورداً على ذلك، أصدرت الهيئة قواعد جديدة لتقديم العطاءات، لكنها فشلت في إقناع المعترضين. في ديسمبر 2021، كتب المنافسون الثلاثة إلى اتحاد الصناعات المصرية لإخطار مجموعة الأعمال بأنهم لن يقدموا عطاءات، قائلين إن شروط الترخيص ستخلق "وضعا شبه احتكاري في سوق السجائر وستقيد المنافسة الحرة بشكل واضح".
في أبريل 2022 ، تم الإعلان عن الفائز: ذهب الترخيص الجديد إلى شركة مصرية صغيرة تدعى شركة المتحدة للتبغ. وهي كانت الجهة الوحيدة التي تقدمت بعرض.
المالكون السريون
في غضون ثلاثة أشهر من فوز المتحدة للتبغ بالترخيص، أعلنت شركة بريتيش أمريكان توباكو، أكبر منافس دولي لشركة فيليب موريس إنترناشونال، أنها ستغادر مصر - رغم ان هي سوق نمت فيها مبيعات السجائر لمدة تسع سنوات متتالية.
لم يستجب المتحدث باسم شركة بريتيش أمريكان توباكو الى طلب الاستفسار المقدم من The Examination. وقال إبراهيم إمبابي، رئيس قسم التبغ في اتحاد الصناعات المصرية وهو مجموعة أعمال معتمدة من الحكومة، إن سبب انسحاب عملاق التبغ كان واضحاً: "شعروا أنه لم توجد روح الانصاف مع فيليب موريس".
كانت المتحدة للتبغ مشروعا مشتركاً في الواقع، حيث أعلنت الشرقية على الفور أنها استحوذت على حصة أقلية في الشركة الجديدة وسوف تؤجر لها مبنى وخطوط إنتاج لتصنيع سجائر فيليب موريس إنترناشونال.
بقي شركاء الشرقية في المشروع الجديد غامضين لأكثر من عام، حتى يوليوز 2023 عندما كشفت شركة فيليب موريس إنترناشونال في تقرير قدم إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية أنها اشترت حصة 25٪ في المتحدة، من خلال شركة تابعة لها مملوكة بالاشتراك مع الحسيني و راشد النعيمي، وزير الخارجية السابق لدولة الإمارات العربية المتحدة. حصتا الحسيني والنعيمي في الشركة التابعة منحت الرجلين حصص أقلية إضافية في المتحدة للتبغ. تمت عمليات الاستحواذ من خلال سلسلة من الشركات ، بعضها كان مقره في ملاذات سرية مثل دبي. لم يرد النعيمي على الأسئلة التي وجهت له عبر محاميه.
على الرغم من ذلك ، تبقى شركة المتحدة للتبغ لغزاً حتى الآن. الكيانات التي يسيطر عليها الحسيني والنعيمي وفيليب موريس إنترناشيونال وإيسترن تمتلك مجتمعة 62٪ من الشركة، لكن من يملك 38٪ المتبقية يظل لغزا - وكذلك المبلغ الذي حصلت عليه الحكومة المصرية مقابل منح المتحدة للتبغ ترخيصاً لصنع السجائر.
وفقاً لإبراهيم إمبابي من اتحاد الصناعات المصرية، فإن هوية ملكية المتحدة للتبغ والمبلغ الذي دفعته للحصول على ترخيص السجائر هو "قضية حكومية وسرية".
في مصر ، هذا ليس بالأمر الغريب. عندما لا يتم الكشف عن ملكية الشركات، فإن ذلك في كثير من الأحيان يرجع إلى وجود شركات يملكها الجيش المصري، وهي قضية حساسة محلياً، وفقا لشانا مارشال، المديرة المشاركة لمعهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن.
ووفقاً لمركز كارنيغي للشرق الأوسط، وهو مركز أبحاث في بيروت، يمتلك الجيش عشرات الشركات في مصر في صناعات تشمل الأسمنت والتنقيب عن الذهب وإدارة حدائق الحيوانات، وقد توسع دوره الاقتصادي بشكل كبير في العقد الذي انقضى منذ تولي الرئيس السيسي السلطة في انقلاب مدعوم من الجيش.
يحتفظ الجيش أحياناً بحصص أقلية في الصناعات التي تعتبر استراتيجية سياسياً أو اقتصادياً، ولكن أيضاً "كامتياز خاص يجب على أصحاب الأعمال تقديمه من أجل العمل في مصر"، كما تقول مارشال، التي أشارت إلى أنها لا تملك أي معرفة محددة حول ما إذا كان الجيش شريكا في المتحدة.
بيع الشركة الشرقية للدخان والسجائر ش.م.م
إذا كانت المرحلة الأولى من كسر احتكار التبغ في مصر هي إنشاء شركة المتحدة للتبغ، وهي مشروع مشترك بين الشرقية وفيليب موريس إنترناشيونال، والحسيني، والنعيمي، وكيان أو أكثر غير معلن، فإن المرحلة الثانية كانت أكثر مباشرة: خصخصة الشرقية نفسها.
هذه المرة، كانت دوافع الحكومة المصرية أكثر شفافية: كانت البلاد على حافة الإفلاس. بعد أن تأثرت بفقدان السياح خلال جائحة كوفيد-19 وفقدان تدفق هائل للعملات الأجنبية في نطاق بحث المستثمرين عن الأمان لأموالهم خلال الأسابيع الأولى من الحرب في أوكرانيا، وصل نقص العملة الأجنبية في مصر إلى مستويات تنذربالخطر.
في ديسمبر 2022 ، تلقت حكومة السيسي دعماً مالياً بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي. وكان من المتوقع أن يؤدي الاتفاق مع الصندوق، وهو الرابع لمصر في ست سنوات، إلى دفع 14 مليار دولار إضافية من شركاء مصر الدوليين الآخرين - وخاصة جيران مصر الأغنياء بالنفط.
حفز هذا الاتفاق مع صندوق النقد الدولي موجة من عمليات الخصخصة، مع تخصيص الشرقية و 34 شركة أخرى مملوكة للدولة لسحب الاستثمارات. و أثار هذا الإجراء رضاء دول الخليج مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، حيث قدمت حكوماتها عشرات المليارات من الدولارات لدعم إدارة السيسي، مع السعي للحصول على أصول الدولة المصرية في المقابل.
في أغسطس 2023 ، كشفت شركة الشرقية في تقاريرها للبورصة المصرية أن المستثمرين الأجانب أعربوا عن اهتمامهم بالاستحواذ على ما يصل إلى 30٪ من الشركة المملوكة للحكومة، و ركزت الصحافة المصرية في تقاريرها عن الموضوع على فيليب موريس إنترناشيونال و شركة اليابان الدولية للتبغ.
وبعد أسبوعين، أعلنت الحكومة المصرية أن شركة تأسست حديثاً ومقرها دبي، باسم جلوبال إنفستمنت القابضة المحدودة ستشتري 30٪ من شركة الشرقية، مما يجعلها أكبر مساهم في احتكار التبغ السابق في مصر. وتظهر ملفات الشركات أن الحسيني، الشريك التجاري لشركة فيليب موريس إنترناشونال، وابنه أبو بكر، كانا يسيطران على جلوبال اعتباراً من ديسمبر.
أصبح موزع فيليب موريس إنترناشونال مساهماً رئيسياً في الشركتين المتشابكتين اللتين مسموح لهما بتصنيع السجائر في مصر: المتحدة والشرقية. كشفت شركة فيليب موريس إنترناشونال عن حصتها في إحدى هاتين الشركتين، لكن التمييز بين الشركتين أصبح غامضاً بشكل متزايد نظراً لطبقات الملكية المتبادلة.
وقال إمبابي إن جلوبال، أكبر مساهم في شركة إيسترن، ويونايتد، الشركة الجديدة التي لديها رخصة سجائر خاصة بها "شركتان شقيقتان".
عندما أبرمت الصفقة في نوفمبر 2023، أشار بيان صادر عن الشرقية إلى أن الحصة بيعت مقابل 530 مليون دولار، مع دفع 95 مليون دولار إضافية على أقساط خلال فترة غير محددة.
دفع سعر 625 مليون دولار لتصبح أكبر مساهم في الشرقية يبدو أنه عرض في صالح المشترين - على الأقل عند مقارنتها بصفقة مماثلة قبل عقد من الزمان. في عام 2013، دفعت شركة فيليب موريس إنترناشونال نفس المبلغ مقابل 25٪ من شركة التبغ التي كانت تحتكر السوق في الجزائر. بينما سوق السجائر في الجزائر أقل من ثلث حجم سوق السجائر في مصر.
"السعر المنشور يبدو تافهاً جداً مقارنة بالمبلغ الذي من المفروض أن يحصلوا عليه" ، وفقاً لـمارشال ، من جامعة جورج واشنطن.
السجائر المهربة
تضمن تاريخ الحسيني مع شركة فيليب موريس إنترناشيونال في المنطقة ممارسة الأعمال التجارية في بيئات صعبة والتعامل مع القيود التجارية المفروضة على شريكه الأمريكي. ومفتاح ذلك هو مجموعة الراشدين، وهي تكتل إقليمي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحسيني ومقرها في الإمارات العربية المتحدة، حيث لا يطلب من العديد من الشركات الكشف عن من يملكها.
صرح ستة مصادر، من بينهم ثلاثة عملوا سابقاً مع الحسيني، إنه يملك المجموعة ويديرها. تشترك الشركات الواردة ضمن المجموعة في صندوق بريد هو العنوان المسجل للحسيني نفسه، وتظهر السجلات من المملكة المتحدة وليختنشتاين والإمارات العربية المتحدة ان الحسيني مالك أو مدير أو مسؤول عن الشركات التابعة للمجموعة.
تأسست مجموعة الراشدين في عام 1982، وتضم أكثر من 10,000 موظف في الشرق الأوسط، في قطاعات متنوعة مثل التطوير العقاري وتوزيع السيارات. في مصر وحدها، تقوم شبكة من شاحناتها ومستودعاتها بتوزيع السلع الاستهلاكية مثل شوكولاتة كادبوري والمنتجات البترولية لشركة شل بي إل سي.
كما أن لدى المجموعة عمليات واسعة في تصنيع التبغ وتوزيعه في بعض الأسواق الأكثر صعوبة في المنطقة ، كما قال راؤول سيتروك، رجل أعمال إسرائيلي وموزع سابق لشركة فيليب موريس إنترناشونال، في مقابلة مع OCCRP في 2021.
وقال: "اختارت شركة فيليب موريس إنترناشونال قبل عام 2000، أن تسند جميع الأسواق الحساسة في هذه المنطقة إلى شريكها مجموعة الراشدين، حتى لا تظهر في الواجهة".
تظهر وثائق تم إصدارها نتيجة للدعاوى القضائية ضد صناعة التبغ الأمريكية في تسعينيات القرن العشرين أن الراشدين بدأت في توزيع سجائر فيليب موريس إنترناشونال في إيران عام 1991، تماماً عندما بدأت الجمهورية الإسلامية في تطبيع العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة. في عام 1995، بعد أن فرض الرئيس بيل كلينتون عقوبات جديدة على إيران، تبادل الحسيني رسائلا مع مسؤول لشركة التبغ العملاقة مقيم في سويسرا، لمناقشة كيفية التعامل مع القيود الجديدة.
سيتروك، الذي كان يستورد سجائر فيليب موريس إنترناشونال إلى دولة تشاد الواقعة في وسط إفريقيا، زعم في دعوى قضائية عام 2020 أن شركة فيليب موريس إنترناشونال طلبت منه في عام 1997 توزيع منتجاتها الأمريكية الصنع في ليبيا المجاورة، والتي كانت في ذلك الوقت خاضعة لعقوبات أمريكية لدورها في تفجير طائرة ركاب أمريكية فوق لوكربي في اسكتلندا.
في الدعوى القضائية التي رفعت في محكمة ولاية نيويورك ضد شركة فيليب موريس إنترناشونال، ادعى سيتروك أن الشركة طلبت منه إنشاء سلسلة من الوثائق توضح أن السجائر بيعت إلى "شريك فيليب موريس إنترناشونال، وهو مجموعة الراشدين". ثم قدمت الشركة المرتبطة بالحسيني في دبي فواتير ووثائق شحن إلى سيتروك، وذلك من أجل "التعتيم على انتهاكات فيليب موريس إنترناشونال للعقوبات الليبية" ، وفقاً للدعوى القضائية.
ويدير سيتروك الآن شركة تحقيقات تتعلق بتهريب السجائر. كما ادعى أن الراشدين توزع السجائر لشركة فيليب موريس إنترناشونال في "الجزائر ومصر والأردن ودول الخليج وفي أفريقيا" وزعم أن "معظم المنتجات المهربة والغير قانونية الموجودة في الدول الأوروبية أو في مناطق النزاع تنبع من شراكة وثيقة جداً بين الراشدين وشركة فيليب موريس إنترناشونال". ولم يذكر اسم الحسيني ولا الراشدين كمدعى عليهما في الدعوى.
تم رفض الدعوى القضائية في عام 2021 من قبل قاضٍ قال إن الاختصاص القضائي المناسب للنزاع هو سويسرا، حيث توجد عمليات عملاق التبغ، وحيث هناك رفعت شركة فيليب موريس إنترناشونال دعوى قضائية ضد سيتروك في نزاع ذي صلة حول الملكية الفكرية. وفي طلبها لرفض دعوى سيتروك، لم تتطرق شركة التبغ العملاقة إلى اتهامات التهريب التي وجهها سيتروك، لكن الشركة قالت لوسائل الإعلام الفرنسية في عام 2020 إن اتهامات سيتروك “لا أساس لها من الصحة” وهي محاولة لتشويه سمعة الشركة للحصول على تعويضات غير مستحقة. وفي مقابلة، قال سيتروك إن مزاعمه حول شركة فيليب موريس إنترناشونال وأنشطة الحسيني لا تزال قائمة، وأنه يعتزم اتخاذ الإجراء المناسب بعد حسم القضية السويسرية.
دعوى سيتروك ليست المرة الأولى التي يتم فيها إتهام شركة فيليب موريس إنترناشونال بتهريب منتجاتها. وفي عام 2004، وافقت الشركة على دفع 1.25 مليار دولار لتسوية دعوى قضائية مع المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، التي اتهمتها بالتواطؤ مع جماعات الجريمة المنظمة للتهرب من الضرائب وتهريب السجائر في أراضي القارة الأوروبية.
سجائر من إنتاج الشركة المصرية سجائر من إنتاج الشركة المصرية
تمويل المواد المسرطنة
أحد أهم جوانب خصخصة صناعة التبغ في مصر هو جانب نادراً ما يناقشه الاخصاء في الاقتصاد ألا وهو الصحة. حيث توفي ما يقدر بنحو 90,000 شخص في مصر بسبب الأمراض المرتبطة بالتدخين في عام 2019.
وبناء على ذلك، يثير بعض الخبراء مخاوف بشأن الرغبة في خصخصة شركة تبغ باسم النمو الاقتصادي - ودور صندوق النقد الدولي في الترويج لذلك كسياسة جيدة.
في حين أن امتلاك الحكومة لشركة تبغ قد يبدو وكأنه تضارب مصالح لا يمكن التوفيق بينها، فإن البديل قد يكون أسوأ. وجد بحث أجري عام 2011 للدراسات حول آثار خصخصة احتكارات التبغ في تسعينيات القرن العشرين وأوائل القرن واحد و عشرين أن مثل هذه التغييرات في الملكية تشكل "تهديداً كبيراً للصحة العامة".
أوضح هذا البحث، الذي شاركت في تأليفه جيلمور، من جامعة باث، أن الخصخصة أدت إلى زيادة معدلات التدخين. ولاحظ أن الشركات المخصخصة ركزت على التسويق بصفة خاصة باتجاه النساء والشباب، وأن شركات التبغ المخصخصة فعالة للغاية في ممارسة الضغط من أجل تقويض تدابير مكافحة التبغ.
في رد على The Examination ، قال صندوق النقد الدولي إنه لا يميز بين صانع السجائر وأي نوع آخر من الشركات عندما ينصح الحكومات بالخصخصة كجزء من حزم قروضها. وقال متحدث باسم صندوق النقد الدولي في بيان " قرار ما هي الشركات العامة التي يتم عرضها للخصخصة هو قرار حصري للسلطات المصرية".
لكن بعض المراقبين يقولون إنه ينبغي التمييز بين شركات التبغ والصناعات الأخرى. "تمكين شركة منتوجها الأساسي يقتل نصف زبنائها من أن تكون أكثر فعالية هو أمر يستعصي عليه فهمه" قال لورانس كينج ، أستاذ الاقتصاد في جامعة ماساتشوستس أمهيرست، الذي يقوم بأبحاث في سياسات صندوق النقد الدولي.
وجد البحث الذي أجرته المنظمة غير الربحية Essential Action في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أن صندوق النقد الدولي دعا إلى خصخصة صناعة التبغ في ستة بلدان في السنوات التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي - حتى أنه علق قرضا لصالح دولة مولدوفا بسبب فشلها في بيع احتكار التبغ الخاص بها.
وقالت جيلمور: "إن إعتبار صندوق النقد الدولي خصخصة صناعة التبغ أمراً جيداً للاقتصاد المصري هو رأي قصير النظر يشير إلى أنه لم يتعلم من أخطائه السابقة".
لا مخاطر
تستمر معدلات التدخين في مصر في الارتفاع. وقال حسن يحيى، وهو متقاعد يبلغ من العمر 62 عاماً يعيش في حي شبرا بالقاهرة، لصحيفة The Examination إنه بدأ التدخين في سن 12 عاماً. يقول إنه لم يفكر أبداً في الإقلاع عن التدخين ، ويضيف أن الحكومة يمكن أن تفعل المزيد لحماية الناس من أضرار السجائر، حيث لا يوجد شيء يمنع جيلاً جديداً من الأطفال من البدء في التدخين. وقال: "بالتأكيد لا توجد رقابة على بيع السجائر لمن تقل أعمارهم عن 18 عاما".
وفي الوقت نفسه، تنشط شركة فيليب موريس إنترناشونال منذ فترة طويلة في مكافحة الرقابة على التدخين في مصر، وتروج بشكل كبير في البلاد لجهازها الجديد IQOS، وهو جهاز تدخين التبغ بالحرارة. على الرغم من أن مصر من الدول الموقعة على معاهدة دولية تحظر الإعلان عن التبغ، إلا أنها سمحت لإعلانات عملاق التبغ لجهاز IQOS بالتواجد في قاعات مطار القاهرة الدولي اعتباراً من نوفمبر 2023، واعدةً "بطعم التبغ بدون رماد أو دخان وبأقل رائحة".
وفي الشهر نفسه، شاركت فيليب موريس في رعاية مؤتمر "الحد من الضرر" الذي استضافته الحكومة المصرية، حيث روجت لجنة من الأطباء المصريين ومستشار من فيليب موريس لاستخدام منتجات التبغ المسخن وأكياس التبغ الفموية كوسيلة مساعدة للإقلاع عن التدخين.
في الواقع، تفشل جهود مكافحة التبغ في مصر وفقاً للمعايير الهامة: توقع تقرير لمنظمة الصحة العالمية نشر هذا العام أن ترتفع معدلات التعاطي للتدخين بين الرجال في مصر من 48٪ في عام 2020 إلى 54٪ في عام 2030.
قال أسامة دياب، خبير مصري في التنمية الاقتصادية في جامعة KU Leuven البلجيكية، وباحث في اقتصاد مصر وعلاقاتها مع صندوق النقد الدولي "هناك احتكار لمنتج يسبب الإدمان في بلد يبلغ عدد سكانه 110 ملايين نسمة - يمكن التخيل مدى الربح الهائل الذي يمكن أن يتحقق. المخاطر منعدمة تقريباً".
* هذه القصة جزء من سلسلة تحقيقات "التدخين من أجل الدولة" ، وهي سلسلة تتناول شركات التبغ التي تحت سيطرة الحكومة، والقصة مدعومة جزئيًا بمنحة من مركزبوليتزر. و تم إعداد هذا الجزء بالتعاون مع مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد.
* تنشر هذه القصة بالتنسيق مع مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP).