يعيش اللاجئون الفلسطينيون في العراق ظروفاً قاسية، تزيد معاناتهم عاماً بعد آخر، في ظل تمسك الحشد الشيعي بمختلف مكوناته بزمام أمور في البلاد منذ سنوات، وتنصيب حكومات متتالية موالية لنظام طهران.
ورغم قلّة عدد الفلسطينيين المتواجدين حالياً في العراق، إلا أنهم تعرّضوا لمضايقات واسعة من قبل سلطات الأمر الواقع هناك، زادت هذه الممارسات خلال الخمسة الأعوام، حسب مراقبين.
وشكا آلاف الفلسطينيين من تعرض أعداد منهم بشكل متكرر للاختطاف والاعتقال من قبل جماعات شيعية، وبقاء العشرات منهم خلف القضبان دون محاكمات، كما شكوا باستمرار من صعوبة تنقلاتهم ومشاركاتهم الاجتماعية وتعرضهم للانتهاكات الممنهجة، بالإضافة الى عدم الاهتمام بشؤونهم من قبل الجهات المعنية.
وبين الحين والآخر يطالب الفلسطينيون في العراق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بإعادتهم الى بلدهم او التوطين في بلد ثالث خارج العراق وتحسين ظروفهم المعيشية، وذلك بسبب "الجحيم" التي باتوا يعيشونه هناك.
وحسب ما ذكره تقرير سابق للجزيرة نت فإن "الانتهاكات ضد اللاجئين الفلسطينيين بالعراق ارتفعت وتيرتها بعد الاحتلال الأميركي ولم تتوقف حتى الآن وإن خفت، ومن ضمنها عمليات خطف وتعذيب وابتزاز مالي تتهم فيها جهات طائفية، بالإضافة إلى الاعتقال من دون محاكمة".
"دجل محور المقاومة"
في تغريدة نشرها الصحفي العراقي عثمان المختار قال إن "ما يحصل للفلسطينيين في العراق مُخزي ولم يحدث إلا بزمن دجاجلة (المقاومة والممانعة)".
وأوضح المختار على حسابه في منصة (إكس) أنه في عام 2017 تم إلغاء قانون 202، الذي ينص على حق الفلسطيني بالعمل والتعلم والعلاج والبطاقة الغذائية والسفر"، لافتا الى أن "الحكومة قطعت في 2018 البطاقة الغذائية الشهرية عن الفلسطينيين".
وأشار الصحفي العراقي الى أنه في "عام 2019 ألغت (الحكومة) حقهم (الفلسطينيين) بالتنافس على مقاعد الدراسات العليا وألغت مجانية الصحة عنهم"، مؤكداً أنه "تم قطع راتب المتقاعد المتوفي عن ورثة الفلسطيني في 2020".
وحسب المختار فقد حُرم خريجي الجامعات (الفلسطينيين) من التنافس على عقود العمل الحكومية المؤقتة عام 2021"، وفي العام الماضي "2023 تم منع عودة الفلسطيني الذي يسافر خارج العراق لأكثر من 3 أشهر".
وقال: "لغاية الآن تعديل (قانون إقامة الأجانب) الذي من المفترض انصافهم وإنهاء معاناتهم يراوح مكانه بالبرلمان منذ عامين بلا سبب!.. وأخيرا المفوضية السامية لشؤون اللاجئين قررت وقف بدلات إيجار منازلهم".
وبين الصحفي العراقي أن "قانون 202 (المذكور سابقاً) المعمول به قبل الغزو الأميركي، تم إلغاؤه في حكومة حيدر العبادي، وكان ينص على أن الفلسطيني مثل العراقي بالحقوق لحين تحرير كامل التراب الفلسطيني باستثناء خدمة العلم".
ولفت الى أن "إلغاء القانون ترتب عليه كل هذه المشاكل بحقهم للعلم عددهم لا يتجاوز حاليا ثلاثة آلاف فقط بعد سلسلة تهجير وخطف وقتل واعتقال نفذها عناصر المليشيات مثل جيش المهدي والعصائب وبدر".
تعليقات وردود
علق ناشط عراقي (ALSHMAREIY) على ما ذكره الصحفي المختار بالقول: "هل هناك من فلسطين وغزة لم يعرف من هم الشيعة المجوس في العراق المسلم العربي المحتل؟ هل تعرفون من قتل الفلسطينيين في بغداد بعد الاحتلال؟ المجرم مقتدى القذر وميليشياته جيش المهدي الدجال".
أما الصحفي اليمني محمد الضبياني فعلق بالقول: "ثم يأتي من يكذب ويروج ويدلس ويضلل أن هذه الفصائل الطائفية المليشياوية الإيرانية تقف مع فلسطين!؟"، في حين لفت الدكتور العراقي بكر النقيب الى أن هناك "صفقة اسمها القدس وضحاياها الفلسطينيون".
وكتب الفلسطيني ماهر تشاويتش (Maher Chawich): "هذا كله دعم وإسناد للشعب الفلسطيني ومقاومة وممانعة على طريق القدس بأسلوب وطريقة محور إيران وميليشياتها ؟! احتلت أربع دول عربية ولم تحرر القدس بعد؟! يبدو تحتاج تحتل كل الوطن العربي؟!".
الباحث والإعلامي الفلسطيني حسن الخالد علق بالقول: "خلال ٥ أيام من وصولي الى بريطانيا حصلت على الإقامة الدائمة، وفي العراق 76 سنة أجدد الإقامة كل ٥ سنوات، وعندما أريد أسجل بنتي بالمدرسة يطلبون مني كفيل، وعندما أريد اسوي أي معاملة لازم تأييد سكن و التأييد يحتاج شخص عراقي يكفلني".
الخالد وهو مختص بالشأن الفلسطيني في العراق قال في تغريدة أخرى "76 سنة والفلسطيني ما يزال لاجئ بالعراق، لا يحق له الحصول على رخصة قيادة عمومي، ما أدري إذا أخذ إجازة سوق عمومي شو راح يأثر على الدولة، يعني أبسط شيء لا يحق له أن يعمل سائق تكسي، ويجيك واحد رأسه مربع يقول لك: (نطالب إسرائيل بإعادة حقوق الفلسطينيين) وهو مضيع حقوقنا بالعراق".
وعلق ناشط سوري بالقول: "يحدث لهم نفس الأمر تقريبا في سوريا، بشار الأسد في 2022 و 2023 سن قوانين مشابهة تضيق على الفلسطينيين".
وحرم قرار الحكومة العراقية 76 لعام 2017 (202) آلاف الفلسطينيين بالعراق من إصدار وثائق سفر وبطاقات شخصية ويترتب عليهم دفع رسوم دخول المدارس والجامعات في حين كانوا معفيين منها سابقا.
كما حرم القانون الجديد فلسطينيي العراق من العلاج المجاني في المستشفيات العراقية الحكومية، في حين أوقفت الحكومة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي المساعدات المالية عن فلسطينيي العراق.
أرقام الفلسطينيين في العراق
أشار الصحفي المختار المتابع والمهتم بالشؤون العراقية إلى أن عدد الفلسطينيين حالياً في العراق لا يتجاوز 3 آلاف، وهو العدد الذي أكدته دراسة بحثية سابقة (2022) عن "أوضاع الفلسطينيين في العراق بعد الاحتلال الأمريكي"، للدكتور ثامر خالد العلواني، وأشارت الدراسة ذاتها الى أن عدد الفلسطينيين الذين كانوا في العراق قبل الغزو الأمريكي 50 ألف، منهم أربعة عشر ألف من نهاية أربعينيات القرن الماضي.
وذكرت الدراسة أن من تبقى من النازحين الفلسطينيين في العراق لم تتوفر لهم أسباب الخروج، لأن معاناتهم مستمرة في ظل وجود الحكومات المتعاقبة الموالية لإيران، ووجود تخادم أمريكي إيراني صهيوني، فضلًا عن عدم وجود اهتمام فلسطيني جاد.
مصادر محلية أخرى تحدثت في تقارير سابقة أن عدد من تبقى من الفلسطينيين في العراق بين 4 - 6 آلاف، وتشير أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أنّ أعداد اللاجئين الفلسطينيين في العراق انخفضت من نحو 35 ألفاً قبل الغزو الأميركي للبلاد عام 2003 إلى أقل من 7 آلاف بحلول عام 2012.
وحملت منظمات في تقارير حقوقية الحكومة العراقية وأجهزتها الأمنية والتشكيلات الشيعية المسلحة مسؤولية الانتهاكات المتواصلة بحق الفلسطينيين ما أدى الى تقلصهم في البلاد بنحو 7 أضعاف.
وحسب دراسة الدكتور العلواني فقد "بدأ مسلسل استهداف الفلسطينيين بشكل مباشر من قبل قوات الاحتلال الأمريكي للعراق وهو ضوء أخضر للمتعاونين مع الاحتلال باستهدافهم وهذا ما تحقق فيما بعد، وتنوع استهداف الفلسطينيين على يد الاحتلال قتلًا واعتقالًا وقصفًا للمدنيين، والتواطؤ مع الميليشيات لاستهداف الفلسطينيين".
وذكرت الدراسة أن "هناك إحصائية لبعض الجهات بأن عدد الذين قتلوا من الفلسطينيين بعد الاحتلال على يد القوات الأمريكية والعراقية والميليشيات أكثر من (600) فلسطيني من غير المفقودين الذين بلغ عددهم (550) فلسطينيًا، فيما بلغت الاعتداءات (809) اعتداءً موثقًا، وأكثر من ألف معتقل، وإصابة (140) فلسطينيًا".
ووفق الدراسة البحثية فقد "عاش اللاجئون الفلسطينيون في العراق الذين كانت غالبيتهم تتمركز في بغداد والموصل والبصرة أكثر من نصف قرن في أمان واستقرار، حيث منحت لهم الحقوق الكاملة وكانت الأنظمة والحكومات العراقية المتعاقبة تعامل الفلسطينيين معاملة العراقي في الحقوق والواجبات إلّا في الجنسية والانتخابات حفاظاً على أملهم بالعودة إلى فلسطين".
وأشارت الدراسة الى أن اللاجئين "كان لهم الحق بالعمل في الوظائف الحكومية الرسمية والتملك، ومنحهم معاملة قانونية لا تختلف عن المواطن العراقي بشيء، فكانوا أساتذة جامعات، ومدراء مدارس، وأطباء، ومهندسين، وعملوا في كل مفاصل الدولة العراقية على مدار حكوماتها قبل الاحتلال، واندمجوا في المجتمع العراقي بشكل كبير جدًا، حتى صار بعض الفلسطينيين ضباطاً في الجيش العراقي".
وفي إحصائية رسمية للجهاز المركزي للإحصاء نهاية 2021 فإن 7 مليون فلسطيني يعيشون في الشتات منهم نحو 6 ملايين و300 ألف في الدول العربية، ونحو 750 ألفا في الدول الأجنبية.