يواصل الاحتلال الإسرائيلي حربه الدامية على قطاع غزة منذ 200 يوما، مع تصاعد ملحوظ في عملياتها البرية وسط القطاع، وتعثر مفاوضات التهدئة وتبادل الأسرى التي تقودها قطر ومصر والولايات المتحدة، في وقت تتجه فيه الأنظار نحو رفح مع تواتر التهديدات الإسرائيلية باجتياح المدينة التي تضم أكثر من مليون نازح.
وشهدت أرقام الضحايا ارتفاعا متسارعا بسبب استمرار جيش الاحتلال في توسيع عملياته العسكرية حيث "ارتكب منذ بداية الحرب الدامية وحتى الاثنين، 3021 مجزرة راح ضحيتها 34 ألفا و151 شهيداً فلسطينياً و77 ألفا و84 جريحًا معظمهم من الأطفال والنساء" بحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
وأظهرت الإحصائيات كذلك استشهاد 485 من الطواقم الطبية، و66 من طواقم الدفاع المدني، و140 صحفيا، و224 من عمال الإغاثة، بينهم 30 على الأقل قتلوا أثناء أداء واجبهم الإغاثي.
وتزايد أعداد المفقودين، حيث وصل عدد البلاغات التي تسلمتها الجهات الرسمية 7 آلاف بلاغ عن مفقودين سواء تحت أنقاض المنازل المدمرة أو في مناطق أخرى، وفق إحصاءات الإعلام الحكومي.
بينما بلغ عدد الأطفال الذين يعيشون دون والديهم أو بدون أحد الوالدين بفعل الحرب الإسرائيلية 17 ألف طفل.
وتظهر الأرقام والاحصائيات أن 60 ألف سيدة حامل معرضة للخطر لعدم توفر الرعاية الصحية، بينما 350 ألف شخص مصاب بأمراض مزمنة بسبب عدم إدخال الأدوية، في وقت تم سجلت فيه أكثر من مليون حالة مرضية مصابة بأمراض معدية بينها 8 آلاف حالة عدوى التهابات الكبد الوبائي الفيروسي بسبب النزوح والاكتظاظ في مراكز الإيواء.
كوارث وظروف صعبة ويعاني 2 مليون فلسطيني من أصل 2.3 مليون في قطاع غزة من ظروف معيشية وصحية صعبة كارثية للغاية بسبب النزوح في مراكز الإيواء أو في مخيمات اللجوء أو لدى أقاربهم، حسب تقارير حقوقية وأممية.
وانعدمت مقومات الحياة والصحة في ظل ارتفاع أعداد النازحين ومواصلة الاحتلال قطع إمدادات المياه والكهرباء والوقود والدواء منذ بداية الحرب المدمرة، ما أدى إلى تفاقم ظروف النازحين بشكل متسارع خاصة في شمال القطاع الذي يعاني من مجاعة حقيقية، أدت إلى وفاة 30 طفلاً جوعا.
ورغم افتتاح عدد محدود من المخابز بمدينة غزة ومحافظة شمال القطاع وإدخال بعض شاحنات المساعدات بكميات محدودة، إلا أن معاناة المواطنين والنازحين لا تزال قائمة في ظل شح الوقود وغاز الطهي والمياه الصالحة للشرب.
وفي 20 أبريل/ نيسان الجاري أعلن برنامج الأغذية العالمي وصول 392 شاحنة محملة بالأغذية فقط منذ بداية الشهر، مبينا أن العدد هو "نفس المعدل تقريبا في مارس، ولكنه نصف العدد مقارنة بشهر يناير"، نافياً بذلك روايات إسرائيلية بإدخال تحسينات على آلية إدخال المساعدات.
وتواجه مدينة غزة أزمة إنسانية تتمثل في توقف جميع آبار المياه بشكل كلي منذ أسبوعين، بسبب نفاد كميات الوقود الشحيحة التي توفرت للبلدية خلال الفترة الماضية، مع بدء ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الطلب والاستهلاك على المياه، بحسب الإعلام الحكومي.
وأشار الإعلام الحكومي، السبت، إلى اعتماد الفلسطينيين في غزة والشمال منذ 7 شهور على الوسائل البدائية البديلة لإشعال النار من الحطب والفحم ومخلفات ركام المباني، ما يتسبب بإصابة المئات بأمراض الجهاز التنفسي بفعل استخدام مواد بلاستيكية وكيماوية في إيقاد النيران، والتي تنبعث منها غازات سامة.
تلك المآسي والكوارث الناجمة عن الحرب الإسرائيلية على غزة، دفعت جنوب إفريقيا لرفع دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية، في 29 ديسمبر كانون/ الأول الماضي تتهم فيها الاحتلال بارتكاب "جرائم إبادة جماعية"، ولاحقا أصدر مجلس الأمن الدولي في مارس/ آذار قراراً يطالب بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان الماضي.
لم تنصع "إسرائيل" لكل ذلك وتصاعدت هجماتها جوا وبحرا وبرا، واتسعت رقعة الدمار بشكل ملحوظ خلال العمليات العسكرية البرية في خان يونس ومدينة غزة ومخيم النصيرات (وسط).
مساحات شاسعة من الدمار تحول قطاع غزة المكتظ بالسكان إلى مساحات شاسعة من ركام المباني بفعل التدمير الإسرائيلي العنيف والواسع بمختلف المحافظات، ولا سيما في غزة وخان يونس ومخيم النصيرات وشمال القطاع.
وأظهر تحليل الأقمار الصناعية الذي أجراه باحثون في مركز الدراسات العليا بجامعة نيويورك وجامعة أوريغون، أن أكثر من 56 بالمئة من المباني تضررت أو دمرت في غزة حتى 2 أبريل.
وما تزال التقارير تشير إلى استمرار القصف الإسرائيلي من الجو والبر والبحر في معظم أنحاء قطاع غزة، ما أدى إلى دمار هائل للمنازل والمباني وغيرها من البنية التحتية المدنية.
وقد بلغت الأضرار المبلغ عنها أكثر من 60 بالمئة من المباني السكنية وأكثر من 80 بالمئة من المنشآت التجارية، وفق لبيانات حكومية فلسطينية.
وأفاد الإعلام الحكومي السبت، أن جيش الاحتلال ألقى 75 ألف طن من المتفجرات على القطاع، ما تسبب بهذا الحجم الهائل من الدمار الذي دفع مسؤولين أمميين إلى وصف القطاع على أنه غير "صالح للسكن"، ووصفوا الوضع بأنه "كارثي بكل ما للكلمة من معنى".
ووثق المكتب الإعلامي الحكومي تعرض 86 ألف وحدة سكنية للهدم الكلي و309 ألف وحدة بشكل جزئي لكنها غير صالحة للسكن.
وأوضح المكتب أن الحرب دمرت 178 مقراً حكوميًا و103 مؤسسات تعليمية بشكل كلي و309 بشكل جزئي، و237 مسجدًا بشكل كلي و313 بشكل جزئي، و3 كنائس.
وأخرج جيش الاحتلال 32 مستشفى و53 مركزا صحيا عن الخدمة وتعمد استهداف 159 مؤسسة صحية، و126 سيارة إسعاف، فضلاً عن تدمير 206 مواقع أثرية وتراثية.
تطورات عسكرية ما تزال عمليات الكر والفر بين جيش الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية على أشدها في مختلف محافظات القطاع؛ فقد سجل أحدثها في المحافظة الوسطى حيث توغلت الآليات الإسرائيلية في 11 أبريل (ثاني أيام عيد الفطر) في شمال مخيم النصيرات.
وكشف انسحاب جيش الاحتلال الخميس، من شمال النصيرات عن دمار كبير ورائحة دماء وأشلاء، فقد دمر على مدار 8 أيام المنطقة بشكل شبه كامل، ما أثار صدمة الفلسطينيين الذين لم يتوقعوا هذا الدمار الهائل.
وأفاد مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة، في تصريح سابق للأناضول، بأن الاحتلال ارتكب "مجازر ضد المدنيين، وخاصة في مناطق المغراقة ومدينة الزهراء والمخيم الجديد بالنصيرات، وهناك أكثر من 520 شهيدا ومفقودا، ولا تزال الطواقم الطبية تعمل على انتشال جثامين الشهداء من تحت الأنقاض في هذه المناطق”.
وأوضح الثوابتة أن "الاحتلال دمر 14 برجا وعمارة سكنية وعشرات المباني السكنية في النصيرات".
وسبق عملية النصيرات إعلان حيش الاحتلال في 7 أبريل انسحابه من خان يونس بعد 4 أشهر على إطلاق عملية برية كانت تهدف إلى استعادة المحتجزين الإسرائيليين لدى حركة "حماس"، إلا أنه خرج من المدينة دون تحقيق أهدافه.
وحسب بيانات للدفاع المدني الفلسطيني فإن عملية خان يونس خلفت دمارا كبيرا في البيوت والبنايات السكنية، إضافة لاكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي غرب المدينة.
وانتشلت أطقم الإنقاذ 283 جثامنا لفلسطينيين قتلهم الجيش الإسرائيلي ودفنهم في المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر، فيما تواصل هذه الأطقم عمليات البحث عن مزيد من الجثث.
ورغم أن مجمع ناصر الطبي لا يزال قائمًا، إلا أنه توقف عن العمل بعد الغارات الإسرائيلية واجتياحه من جيش الاحتلال في فبراير/شباط الماضي، حيث دمر بنيته التحتية وشبكات المياه فيه وجميع الأجهزة الطبية.
ويعيش النازحون العائدون إلى خان يونس في خوف مستمر من القصف الجوي وعودة اجتياح الجيش الإسرائيلي بعد تدمير كل مقومات الحياة.
أما في مدينة غزة والشمال، يواصل الاحتلال عملياته العسكرية البرية والجوية مرتكبا مزيد من الدمار و"مجازر فظيعة"، ما تزال تتكشف معالمها وآثارها بانتشال الجثث من الشوارع وتحت أنقاض المنازل ومن مقبرة جماعية أخرى تم اكتشافها قبل نحو أسبوعين في ساحة مجمع الشفاء الطبي غرب مدينة غزة.
تصاعد التهديدات وفي تحدٍ لتحذيرات دولية من خطورة اجتياح رفح وتنفيذ عملية عسكرية على المدينة المكتظة بنحو 1.4 مليون نازح؛ تصاعدت حدة التهديدات الإسرائيلية بذلك.
والاثنين، قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن "تل أبيب" تستعد لتوسيع "المنطقة الإنسانية" بغزة لتمتد من منطقة المواصي جنوبًا وعلى امتداد الشريط الساحلي حتى مشارف النصيرات وسط القطاع، تمهيدا لاجتياح رفح.
وزعمت الإذاعة الإسرائيلية أن المنطقة "ستتمكن من استيعاب نحو مليون نازح"، وادعت أنه "أقيم في المكان 5 مستشفيات ميدانية بالإضافة إلى المشافي الثابتة العاملة في المنطقة"، علما بأن معظم مستشفيات القطاع خرجت عن الخدمة بسبب استهدافها المتعمّد.
والأحد، قال متحدث جيش الاحتلال دانييل هاغاري في مؤتمر صحفي إن قرار اجتياح رفح قد اتُخذ، "لتفكيك حماس وإعادة المخطوفين"، وفق زعمه.
ومنذ بداية الحرب دفع الاحتلال بأهالي القطاع للنزوح جنوبا بزعم أنه "منطقة آمنة"، إلا أن القصف والدمار والقتل الإسرائيلي طال كل مناطق غزة وصولا إلى المعبر الحدودي مع مصر.
ومساء السبت، نفذت الاحتلال غارتين جويتين على منزلين أحدهما شرق رفح والآخر وسطها، ما أسفر عن مقتل 24 شخصا، غالبيتهم أطفال ونساء.
والأحد، حذّر رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، من إقدام جيش الاحتلال على اجتياح رفح، لكنه لفت إلى "جاهزية فصائل المقاومة على الأرض".
ودعا هنية في مقابلة مع الأناضول مصر وتركيا وقطر والدول الأوروبية وغيرها ذات الصلة إلى "التحرك من أجل لجم العدوان الإسرائيلي ومنع الدخول إلى رفح، بل وضرورة الانسحاب الكامل من قطاع غزة وإنهاء العدوان".
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول يشن الاحتلال حربا مدمرة على غزة خلفت أكثر من 112 ألف قتيل وجريح معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا، ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين، حسب بيانات فلسطينية وأممية.
ويواصل الاحتلال الإسرائيلي حربه رغم صدور قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار فورا، وكذلك رغم مثولها أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية".