اضطر رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك إلى إقالة وزيرة الداخلية، سويلا برافرمان، تحت ضغوط واسعة، على خلفية مواقفها الأخيرة من المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين.
واتُهمت برافرمان بتصعيد التوترات من خلال مقال كتبته الأسبوع الماضي في صحيفة "التايمز"، والذي اتهمت فيه شرطة العاصمة باتباع معايير مزدوجة بشأن كيفية تعاملها مع الاحتجاجات المختلفة على أساس الانتماء السياسي.
وتناغم موقف برافرمان مع توجهات اليمين المتطرف في بريطانيا، الذي حرض ضد المسيرات الحاشدة التي طالبت بوقف الحرب على غزة، رغم أن الشرطة أقرت بسلمية هذه المظاهرات، مقابل "عنف" مظاهرات اليمين المؤيدة لدولة الاحتلال.
وواجه سوناك دعوات متزايدة لإقالة وزيرة الداخلية في حكومته بعد أن قالت إن عناصر الشرطة "يفاضلون" عندما يتعلق الأمر بالتظاهرات واعتبرت أنهم تجاهلوا "الغوغائيين المؤيدين للفلسطينيين" خلال مسيرات احتجاج على الحرب في غزة.
واعتبرت وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برافرمان، الاثنين، المظاهرات المؤيدة لفلسطين في العاصمة لندن بأنها "مسيرات كراهية".
وأوضحت أن الحكومة البريطانية تراجع القوانين المتعلقة بالتظاهرات، وقالت: "إذا كنا بحاجة إلى تغيير القوانين، كما فعلنا العام الماضي لمنع الاحتجاجات، فلن أتردد في اتخاذ الإجراءات".
وفي بيان صادر عن الوزيرة البريطانية في 11 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، ذكرت أن "التلويح بالعلم الفلسطيني قد لا يكون قانونياً".
ورغم تصريحها، واصل المتظاهرون مشاركتهم في مسيرات أسبوعية يرفعون فيها عشرات الآلاف من الأعلام الفلسطينية، تضامنا مع سكان قطاع غزة، حيث شهدت العاصمة البريطانية السبت مسيرة مليونية رفضا للعدوان على قطاع غزة، ودعما للحقوق الفلسطينية.
وتعمل الحكومة البريطانية على تعديل قانون التظاهر لحظر مظاهرات مؤيدي فلسطين، بينما أعلنت الشرطة البريطانية أنها وجهت اتهامات لسبعة أشخاص بعد مسيرة حاشدة مؤيدة للفلسطينيين وتجمع لليمين المتطرف، مشيرة إلى اعتقال نحو 145 شخصا من الجانبين، غالبيتهم من اليمين المتطرف.
وذكرت صحيفة الإندبندنت، أن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يخطط لتعديل عدة بنود في قانون التظاهر، بينها تخفيف الشروط التي يسُمح بموجبها للشرطة بحظر التظاهرات، وذلك في محاولة لمنع مظاهرات مؤيدي فلسطين بعد عدة مظاهرات حاشدة في لندن.
واندلعت اشتباكات بين الشرطة والجماعات اليمينية المتطرفة، التي تجمعت للاحتجاج على تنظيم المسيرة في يوم الهدنة الذي يوافق نهاية الحرب العالمية الأولى، حيث تحيي بريطانيا ذكرى قتلى الحرب. وكانت الشرطة تعمل على منع أنصار اليمين المتطرف من الوصول إلى النُصب التذكاري، بينما كان يشهد حفلا رسميا في الذكرى.
وقالت شرطة العاصمة لندن؛ إن التحقيقات مستمرة في "عدد من الوقائع الأخرى"، وإن المحتجزين السبعة متهمون بجرائم مختلفة، مثل التسبب في ضرر جنائي ومقاومة الاعتقال، وحيازة سلاح هجومي ومخدرات والإخلال بالنظام العام والاعتداء.
وقال نائب مساعد مفوض الشرطة، لورانس تايلور، الذي قاد عمليات الشرطة السبت: "لدينا فرق من رجال الأمن الذين يواصلون رفع قضايا على المحتجزين، ويفتحون تحقيقات مع الذين يلفتون انتباهنا عند مشاركة الصور والمقاطع المصورة على وسائل التواصل الاجتماعي".
وكانت الشرطة قد قالت في بيان السبت؛ إن عمليتها التي رافقت المظاهرة المؤيدة لفلسطين وتجمع اليمين المتطرف، جاءت "بعد أسبوع من الجدل الكبير حول المظاهرة وعمل الشرطة، وهذا كله ترافق مع تزايد التوترات في المجتمع"؛ في إشارة إلى تصريحات وزيرة الداخلية سويلا برافمان التي وصفت مظاهرات مؤيدي فلسطين بأنها مظاهرات كراهية، واتهمت الشرطة بالتحيز لصالحها وأنها تتشدد مع اليمين المتطرف. وفيما اعتُبر تحريضا لليمين المتطرف، هاجمت برافمان تنظيم مظاهرة في يوم الهدنة، وزعمت أن النُصب التذكاري قرب مقر الحكومة في وايتهول قد يتعرض للتخريب، رغم أن مسار المظاهرة يبعد أكثر من ميل عن المكان.
وأوضحت الشرطة أن "العنف الشديد من المحتجين من اليمين تجاه الشرطة (..)، كان غير معتاد ويثير قلقا عميقا".
وقالت؛ إن أنصار اليمين وصلوا في وقت مبكر السبت، "قائلين إنهم هناك لحماية النُصب (سينتاف)، لكن بعضهم كانوا تحت تأثير المخدرات، وعدوانيين ويبحثون بوضوح عن المواجهة"، وقد صاحوا في وجه عناصر الشرطة: "لستم إنكليزا بعد الآن".
وأوضحت الشرطة أن القسم الأكبر منهم كانوا من مشاغبي كرة القدم (هوليغنز) من مختلف أنحاء بريطانيا، وقد أمضوا اليوم وهو يهاجمون أو يهددون عناصر الشرطة الذين كانوا يعملون على منعهم من الوصول إلى مظاهرة مؤيدي فلسطين.
وأجرت الشرطة حملة لإيقاف وتفتيش العديد منهم، وتم العثور بحوزتهم على أسلحة بينها سكين وأدوات حادة أخرى وهراوة، إضافة إلى المخدرات.
وقد أصيب تسعة عناصر من الشرطة خلال هذه المواجهات، نُقل اثنان منهم للمستشفى لتلقي العلاج، خلال محاولة الشرطة منع أنصار اليمين المتطرف من الوصول إلى موقع النُصب التذكاري لضحايا الحرب قبيل تنفيذ دقيقتي صمت.
وفي المقابل، قالت الشرطة؛ إن مظاهرة مؤيدي فلسطين لم تشهد "عنفا بدنيا كالذي قام به جناح اليمين".
لكن بعد انتهاء التظاهرة وتفرق المشاركين، لجأت مجموعة من نحو 150 شخصا، بعضهم يغطون وجوههم للتصرف بطريقة تشكل تهديدا، واشتبكوا مع الشرطة التي حاولت تفريقهم، مطلقين الألعاب النارية تجاهها. وأعلنت الشرطة اعتقال العديد منهم.
كما تحدثت الشرطة عن "عدة مخالفات خطيرة مرتبطة بجرائم الكراهية، ودعم محتمل لمنظمات محظورة خلال المظاهرة".
ونشرت الشرطة مجموعة من الصور قالت إنها تشير إلى ارتكاب جريمة كراهية أو تتضمن تهديدا، من كلا الجانبين، وطلبت التعرف على أصحابها.
وأوضحت الشرطة أن متابعة المخالفين بين أن "حشدا بهذا الحجم الذي شاهدناه (السبت)، يمثل دائما تحديا، لكن كانت قدرتنا محدودة أكثر للقيام بذلك؛ بسبب عدد الضباط الذين تم نشرهم منذ وقت مبكر من اليوم للتعامل مع المجموعات اليمينية".
وقدرت الشرطة عدد المشاركين في المظاهرة التي سارت من ماربل آرش قرب الهايد بارك باتجاه السفارة الأمريكية؛ بنحو 300 ألف، لكن المنظمين يتحدثون عن أكثر من 800 ألف.
وبعد هذه الأحداث، تصاعدت المطالبات بإقالة برافمان من منصبها، بينهم زعيم حزب العمال كير ستارمر الذي اتهم الوزيرة بإثارة الانقسام، لكنه اعتبر أن رئيس الوزراء ريشي سوناك أضعف من أن يفعل ذلك.
وكانت برافمان قد عبرت في سلسلة منشورات على منصة إكس (تويتر سابقا) عن شكرها للشرطة على جهودها، لكنها عادت لتشن هجوما على مظاهرات مؤيدي فلسطين، متحدثة عن ضرورة اتخاذ إجراءات لمنع المزيد منها. وقالت؛ إن شوارع لندن باتت "ملوثة بالكراهية والعنف ومعاداة السامية".
وبينما اكتفت برافمان بإشارة عابرة لعنف أنصار اليمين المتطرف الذين أسمتهم "مناهضي المتظاهرين"، صعّدت هجوما على مظاهرات مؤيدي فلسطين.
وكان تجاهل سوناك لشكر الشرطة بعد عمليتها الصعبة يوم السبت؛ قد أثار انتقادات من المعارضة. وقالت وزيرة الداخلية في حكومة الظل، إيفوت كوبر؛ إنها صدمت لخلو بيان سوناك الذي صدر يوم السبت من الشكر للشرطة، وقالت؛ إن الشرطة كانت تتعرض لهجوم وهي تحاول حماية النصب التذكاري.
وكان سوناك قد أصدر بيانا هاجم فيه عنف "رابطة الدفاع الإنكليزي والمجموعات المرتبطة بها"، في إشارة إلى اليمين المتطرف، لكنه ركز هجومه على مظاهرات مؤيدي فلسطين الذين أسماهم "المتعاطفين مع حماس".
كما هاجمت كوبر، برافمان، وقالت؛ إن تعليقاتها التي هاجمت فيها الشرطة "صادمة وغير مسبوقة"، و"لم نر وزيرا للداخلية يفعل ما فعلته سويلا برافمان"، وربطتها بالعنف الذي تعرضت له الشرطة.