لا يخفى على أحد أن منصات التواصل الاجتماعي تتحيز بوضوح ضد الفلسطينيين، فنجدها تحذف أي منشورات أو صفحات أو حتى تعطل حسابات لأجل أنها نشرت ما يظهر تعاطفا معهم أو يكشف وحشية الاحتلال الإسرائيلي. ولا يملك المستخدم العربي إلا التحايل على خوارزميات تلك المنصات لنشر ما يستطيع لأن الاعتراض لم يأت يوما بنتيجة، فمتى نتخلص من سيطرة الشركات الغربية على منصات التواصل الاجتماعي؟ وهل يمكن للعرب إطلاق منصات خاصة بهم لفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي؟
نعلم أن منصات التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية واستخداما هي أميركية الأصل، وعلى رأسها فيسبوك وإنستغرام وواتساب (وتملكها شركة ميتا التي أسسها ويرأسها مارك زوكربيرغ الذي تعود جذور أجداده إلى يهود مهاجرين من النمسا وألمانيا وبولندا)، ويوتيوب وإكس (تويتر سابقا)، إلى جانب منصتين غير أميركيتين هما تليغرام وتيك توك.
ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة شهدت المنصات الرقمية ازديادا متسارعا في خطاب العنف والكراهية ضد الفلسطينيين، فقد رصد "مؤشر العنف"، النموذج اللغوي المدعم بتقنيات الذكاء الاصطناعي الذي طوره مركز "حملة" (المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي)، حتى الأول من نوفمبر/تشرين الثاني أكثر من 590 ألف محتوى عنف وكراهية وتحريض، خاصة باللغة العبرية، وتركزت معظم هذه الحالات على منصة "إكس"، كما وثق المرصد الفلسطيني لانتهاكات الحقوق الرقمية (حُر) أكثر من 1009 انتهاكات للحقوق الرقمية الفلسطينية التي تنوعت بين حالات إزالة أو تقييد، وخطابات كراهية، وتحريض على العنف.
وبحسب مركز "حملة" فإن منصات التواصل الاجتماعي التابعة لشركة ميتا أصبحت منذ سنوات مسرحا لانتشار انتهاكات الحقوق الرقمية للفلسطينيين، خاصة الممارسات الرقابية لإسكات الأصوات الفلسطينية والسردية الفلسطينية، ومنذ اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وثق المركز عبر مرصد "حُر" ما مجموعه 627 انتهاكا عـلى منصات ميتا بواقع 443 تحريضا على العنف أو خطاب الكراهية و283 تقييد وإزالة.
كما يرى مركز "حملة" أنه منذ استحواذ إيلون ماسك على تويتر أصبحت منصته التي صار اسمها "إكس" مرتعا لخطاب الكراهية والتحريض على العنف ضد الفلسطينيين، وقال إن هذا الواقع "يعود لما قبل التصعيد الراهن، بيد أن حدته تعاظمت الآن".
تلك القيود السابقة جعلت كثيرا من الفلسطينيين -وعلى رأسهم المقاومة الفلسطينية ذاتها- والمتعاطفين معهم يتحولون إلى منصتين غير أميركيتين، الأولى هي تطبيق تليغرام الذي أطلقه روسيان في 2013، قبل أن يغادرا روسيا في 2014 بذريعة الضغوط الحكومية، ويُعتقد أن مقرات الشركة الحالية في مدينة دبي بالإمارات العربية المتحدة.
ويملك تليغرام نحو 800 مليون مستخدم، وهو يتيح بالفعل حرية نشر أعلى بكثير مما تتيحه المنصات الأميركية، ويتميز عن تطبيق واتساب بخاصية شديدة الأهمية وهي إمكانية نشر قصص لمجموعات يمكن أن يبلغ عدد أعضائها حتى 200 ألف أو إنشاء قنوات ونشر المحتوى إلى عدد غير محدد من المستخدمين المشتركين بالقناة، مقابل 512 شخصا في مجموعات واتساب التي أطلقت مؤخرا أيضا ميزة القنوات الشبيهة بقنوات تليغرام.
لكن في المقابل فإن حرية النشر هذه المتاحة في تليغرام، سيف ذو حدين، فهذا التطبيق لا يتضمن خوارزميات تحكم بالمحتوى، مما جعل منه أيضا مرتعا لخطاب الكراهية والتحريض على العنف ضد الفلسطينيين.
أما المنصة الثانية فهي تطبيق تيك توك، الذي يتيح نشر مقاطع فيديو صغيرة، حيث يملك هذا التطبيق -الصيني الأصل- مليار مستخدم نشط شهريا، وشعبيته فائقة بين فئة الشباب والمراهقين، لكن مقرات التطبيق وخوادمه الحالية توجد في الولايات المتحدة وتخضع للقوانين الأميركية، لهذا نجده بدأ بحظر كثير من المحتوى المساند للقضية الفلسطينية، خاصة بعد عملية طوفان الأقصى، رغم أنه ما يزال أكثر مرونة من نظرائه مثل منصات ميتا وإكس.
ما البديل؟ وهنا، بات لزاما علينا طرح السؤال التالي: لماذا لا يكون لدينا منصة تواصل عربية، على غرار المنصات الصينية التي خرجت من السيطرة الأميركية، لنشر كل ما من شأنه دعم القضية الفلسطينية وفضح جرائم ومجازر الاحتلال الإسرائيلي؟
هذا السؤال طرحته الجزيرة نت على عدد من المتخصصين بهذا الشأن.
المستشار ومدرب التسويق الرقمي عمار محمد يرى أن إنشاء منصة عربية للتواصل الاجتماعي أمر معقد نسبيا، حيث هناك حاجة لدعم الصناديق الاستثمارية في مجال التواصل الاجتماعي، كما يجب أن تكون هناك منصة موحدة يجتمع عليها العالم العربي بدون أي قيود كي نتمكن من طرح قضايانا وفقا لعادات المجتمعات والقيم واحترام الأشخاص.
أما الباحث في الإعلام والتواصل عبد الحكيم أحمين فيرى أن التضييق والقيود التي فرضتها مواقع التواصل الاجتماعي الأميركية على النشر بشأن ما يحدث في قطاع غزة وعلى الرواية الفلسطينية أحدثا صدمة لدى الرأي العام العربي والعالمي.
وأضاف الباحث أن هذا الأمر دفع المستخدمين إلى التحايل على التضييق أو الحظر الذي مارسته تلك المواقع، فبدؤوا بتقطيع الكلمات العربية والإنجليزية، وإدخال رموز وأرقام في كتابتها، كما أنشأ مستخدمون مواقع خاصة بكيفية التغريد والتدوين لتجنب الحظر.
وحول إمكانية أن تكون لدينا منصة عربية للتواصل الاجتماعي؛ قال إن كثيرا من الدول أنشأت شبكات تواصل اجتماعي خاصة بمنطقتها، مثل الهند وروسيا والصين وتركيا وفرنسا وحتى النرويج، لأنها تعلم أن شبكات التواصل الأميركية تتحكم بها الشركات التي أنشأتها، وأضاف أن هناك شبكات صغيرة تضم مهنيين، أو فنيين، أو رسامين، أو قراء، أو باحثين موجودة في دول العالم وحتى في الوطن العربي مما يعني أنه يمكن لأي جهة رسمية أو خاصة لديها تمويل مالي أن تنشئ موقع تواصل اجتماعي ينطلق من البيئة العربية وينتشر في العالم.
وأكد أحمين أن هناك موارد مالية وعقولا مبدعة عديدة كفيلة بإنجاح هذه التجربة، لكن المسألة تحتاج إلى قرار سياسي من حكام وصانعي قرار، مضيفا أن لدى هؤلاء فرصة سانحة لإنشاء شبكة تواصل اجتماعي عربية عالمية الانتشار.
من جهته، فضل مهندس الحاسوب والخبير التقني زهير نموس التطرق إلى الناحية التقنية بهذا الشأن حيث يرى أن أفضل وسيلة للتخلص من سيطرة الأقلية على شبكة الإنترنت الحالية هي باستخدام تقنيات الويب 3 بدلا من تقنيات الويب 2 الحالية.
والاختلاف الرئيسي بين التقنيتين -بحسب نموس- هو عدم وجود قواعد بيانات مركزية لتخزين حالة التطبيقات. فالويب 2 بطبيعته مركزي ويمكن التحكم في كل جانب من جوانبه وفقا لنموذج الخادم والعميل، أما الويب 3 فإنه يتيح للمستخدمين والأجهزة التفاعل عبر شبكة ند لند بدون الحاجة إلى وسيط ينظم عمليات التفاعل مما ينشئ إنترنت جديدا لا مركزيا يركز على الإنسان ويحافظ على الخصوصية.
ويرى المهندس أن الويب 3 هو أفضل فرصة للبشرية كي تستطيع توزيع هذه السيطرة على الإنترنت وتسحبها من يد الشركات الكبرى التي أصبحت أقوى من بعض الدول في بعض الأحيان، بحسب رأيه، ويضيف أنه مع الويب 3 ستكون السيطرة للمستخدمين أنفسهم وليس للشركات، وبالتالي لن يتم حظر المستخدم لمجرد أنه كتب منشورا لا يناسب أصحاب المنصات.
ومع ذلك يرى نموس أن تقنية الويب 3 لا تزال تواجه تحديات كبيرة قبل تبنيها، مشيرا إلى أن مجتمعات المطورين في نقاش دائم للتوصل إلى حلول لكن الطريق لا يزال في بدايته.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية