اخبار دولية

معارك غزّة الثلاث.. هزمت البريطانيين مرتين ثم كانت جسرا لهم إلى القُدس

المصدر
بهاء علي

تعيش غزة اليوم مأساة كبرى فرضتها عليها طبيعة الجغرافيا السياسية، فلطالما حرص على الاستيلاء عليها كبار القادة العسكريين على مر التاريخ. وتُشبه غزة اليوم غزة قبل مئة عام ونيف حين أصرَّ البريطانيون وحلفاؤهم على السيطرة عليها في ثلاث معارك فاصلة، بينما استمات العثمانيون وحلفاؤهم الألمان في الدفاع عنها رغم قلة الزاد والعتاد بل والعدد.

في أواخر القرن التاسع عشر، كان العالم يموج باضطرابات كبرى تشبه للغرابة الاضطرابات التي يعيشها عالمنا المعاصر. فقد كانت الدولة العثمانية التي تملك جغرافيا واسعة، وموارد ضخمة، تترنحُ مع ضعف يُغري القوى الاستعمارية الصاعدة للتناحر على جسدها المتهاوي، وكانت جغرافيا الشرق الأوسط "أُسَّ السياسات" ورأسها وقاعدتها كما رأى نابليون بونابرت؛ ولهذا السبب أسرع قبل الإنجليز مبكرا في نهاية القرن الثامن عشر ليستأثر بالغنيمة وحده، فنزل مصر ومنها انطلق إلى فلسطين، وكان هدفه السيطرة على بلاد الشام ثم الالتفاف على الدولة العثمانية وإسقاطها.

شرع العثمانيون وحلفاؤهم الألمان في إعداد حملة عسكرية كبيرة تنطلق من سوريا وفلسطين للسيطرة على قناة السويس عام 1915م. (الصورة: مواقع التواصل) لكن أحلام نابليون تحطمت أمام أسوار عكا ثم في القاهرة مع ثوراتها المتتالية، وأيضا أمام غريمته بريطانيا وحلفائها في أوروبا والشرق الذين أنزلوا به هزائم متلاحقة. ولئن فشلت أحلام نابليون في مصر وفلسطين، فقد عمل البريطانيون على إحياء الأحلام ذاتها حين لاحت لهم الأهمية الجيوسياسية لمصر من بعد افتتاح قناة السويس عام 1869م، فلم يلبثوا إلا قليلا حتى نزلوا مصر فاحتلوها بدءا من الإسكندرية التي نزلها نابليون من قبل في بدء حملته أيضا.

لكنَّ البريطانيين كانوا أطول نفسا وأكثر خديعة من الفرنسيين حين دخلوا إلى مصر عام 1882م، فلم يفصلوها رسميا عن الدولة العثمانية، وإن تضرَّر العثمانيون فعليا من سقوط مصر وسيطرة البريطانيين على قناة السويس. وقد تجلى هذا الضرر في أثناء الحرب العالمية الأولى التي اشتعلت عام 1914م وأعلن العثمانيون فيها بزعامة الاتحاديين التحالف مع الألمان. وعلى الجهة الأخرى ظهر الحلفاء البريطانيون والفرنسيون والروس يدا واحدة وقوة ضاربة لتحطيم أعدائهم ومنها الدولة العثمانية.

تمثَّلت الأهداف الروسية حينها في الوصول إلى المياه الدافئة واحتلال إسطنبول والسيطرة على مضيقَيْ البوسفور والدردنيل، بينما تطلعت فرنسا إلى سوريا وقليقية جنوب الأناضول، أما بريطانيا فكانت تستهدف العراق وفلسطين. وهكذا اتحدت أهداف الحلفاء الثلاثة على جُثة الدولة العثمانية، أما العثمانيون فحرصوا على إحياء مشروع سكة حديد برلين–بغداد، والسيطرة على القوقاز على حساب الروس، ثم حاولوا السيطرة على مصر بعبور قناة السويس وإنزال الهزيمة بالبريطانيين.

قائد الجيش العثماني الرابع "أحمد جمال باشا" الشهير بالسفَّاح. (الصورة: مواقع التواصل) اشتعلت الحرب في الجبهة الغربية بين الألمان والنمساويين من جهة، والفرنسيين والبريطانيين ومن خلفهم حلفاؤهم الأميركيون الصاعدون الداعمون لهم بالمؤن من جهة. ولكن الحرب سرعان ما امتدت إلى مناطق متعددة من الشرق الأوسط في العراق وفي فلسطين، وكانت قيادة سوريا والجيش العثماني الرابع المرابض فيها موكلة إلى أحمد جمال باشا الشهير بالسفَّاح، الذي أدَّت بعض سياساته المُجحِفة إلى إشعال الروح القومية بين العرب في سوريا والجزيرة العربية، فانطلق أمير الحجاز الشريف حسين إلى التواصل مع البريطانيين بزعامة مندوبهم "ماكمَهون" في مصر ضد الدولة العثمانية.

وهكذا اختلطت الأوراق إبان الحرب العالمية الأولى، ولما كانت مصر رمانة ميزان الشرق الأوسط؛ فقد أعلنت بريطانيا الحماية عليها وخلعت الخديوي عباس حلمي الثاني الذي كان مُواليا للدولة العثمانية. ثم لم تقف لندن عند هذا الحدّ، بل أجبرت رئيس الوزراء المصري وقتئذ حسين رشدي باشا على إعلان الحكومة المصرية وقوفها بجوار بريطانيا في هذه الحرب وذلك في شهر أغسطس/آب 1914م[1].

كانت الخطوة البريطانية تعني ببساطة نزع السيادة العثمانية القانونية على مصر، وقد كان واحد من أهداف العثمانيين من الانضمام إلى الألمان في هذه الحرب أن يستعيدوا مصر، ويطردوا البريطانيين منها مع حرمانهم من قناة السويس. ولهذا السبب شرع العثمانيون وحلفاؤهم الألمان في إعداد حملة عسكرية كبيرة تنطلق من سوريا وفلسطين للسيطرة على قناة السويس عام 1915م، لكن هذه القوات هُزِمَت من قِبَل بعض فرق الجيش المصري والجيش البريطاني. ثم تكررت الحملة العثمانية الألمانية من جديد في العام التالي 1916م، وفي هذه المرة أيضا لحقت بالعثمانيين هزيمة ثقيلة اضطرتهم إلى الانسحاب من سيناء صوب فلسطين، وبهذا أصبحت سيناء بكاملها مشرعة أبوابها أمام البريطانيين.

حتى يستطيع البريطانيون الانطلاق عبر سيناء التي لم تكن مُعدَّة بصورة لوجستية لخدمات نقل الجنود والمُعدَّات، أَجبروا أكثر من ربع مليون من الفلاحين المصريين على العمل لتعبيد الطرق وإمدادات المياه والسكك الحديدية. وبعد إتمام هذه التجهيزات في نهاية صيف عام 1916م حشدت بريطانيا قواتها البالغة أربعين ألف جندي باتجاه العريش في سيناء بقيادة الجنرال "أرشيبولد جيمز مُوراي"، وكان الهدف منع العثمانيين من التقدم مرة ثالثة باتجاه قناة السويس، بينما بلغت القوات العثمانية المتمركزة في العريش 10 آلاف جندي، وكانت في حالة يُرثى لها نتيجة الهزائم السابقة، فضلا عن إعلان شريف مكة حسين الثورة على الدولة العثمانية.

في ديسمبر/كانون الأول، بلغت القوات البريطانية العريش فوجدتها خالية من القوات العثمانية، حيث انسحبت منها كي تُعِدَّ فخًّا لقوات الحلفاء، إذ عَسكَرت قُرب منطقة وُجدت فيها مياه الشرب. وحينما زحفَ البريطانيون باتجاه مياه الشرب اصطدموا بالأتراك الذين أنزلوا بهم هزيمة ثقيلة طوال يومين كاملين كادوا يقضون فيها على القوات البريطانية، لولا المدد العسكري الذي أجبر الأتراك على التقهقر صوب غزَّة وبئر سبع، فأصبحت سيناء كلها تحت الاحتلال البريطاني، وكانت من قبل لا تزال خاضعة للعثمانيين[2].

واصل البريطانيون زحفهم إلى منطقة رفح الحدودية مع غزة في 9 يناير/كانون الثاني 1917م، وما بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار من العام نفسه حشدَ الجنرالُ موراي قوة عسكرية ضخمة على الحدود مع غزة بلغت 200 ألف مقاتل ومعاونيهم من فيالق العمل المصرية (الفلاحين المصريين)، وفيالق الهجَّانة، وفي مارس/آذار 1917م قرر بدء هجومه على غزة فيما عُرف في التاريخ الحديث بمعركة غزَّة الأولى. وكان هدف موراي من الهجوم تأمين السيطرة على مصادر إمداد المياه والعشب والقمح والخضراوات والفواكه لخدمة قاعدة عسكرية بريطانية متقدمة لتأمين مصر كلها وقناة السويس، وكان الهجوم على مرحلتين، الأولى احتلال غزة ثم حصار المدينة ومنع وصول الإمدادات العثمانية إليها من جهة الشرق والشمال، لكن القوات العثمانية الألمانية تصدَّت لهذه الحملة وأوقعت أربعة آلاف قتيل في صفوف الحلفاء في مقابل 2500 من العثمانيين، الأمر الذي أدَّى إلى انسحاب البريطانيين من وادي غزة، حيث استعاده العثمانيون من جديد[3].

يذكر القائد العسكري للمعركة الألماني "فون كريس" أنه وزميله العثماني جمال باشا قد استطلعا مقدرة العدو البريطاني بصورة جيدة، وعرفوا أماكن توزيعهم ومعداتهم وأسلحتهم وأماكن إمدادهم. ولما رأى جمال باشا حجم قوة وعدد القوات البريطانية قال لكريس: "حتى لا نفقد الأمل في مثل هذه الظروف، يجب أن يتحلى المرء بقلب شاب تركي ليس لديه ملابس أو أحذية ملائمة. إننا نحن الأتراك لدينا قلوب صلبة، كما أنه ليس لدينا ما نخسره، بل على العكس لم يبقَ لدينا سوى كسب المعركة"[4]. وقد صَدَق توقع جمال باشا، فقد قاتلوا ببسالة شديدة ونجحوا في هزيمة البريطانيين في هذه المعركة.

يرى الباحث الأميركي "كريستيان كوتس أولريخسن" في كتابه "الحرب العالمية الأولى في الشرق الأوسط" أن موراي أخطأ في قراءة المعركة، وأنه "لم يكن مستعدا لأن يكشف عن أسلحة المفاجأة التي في حوزته قبل الأوان، وآثر بدلا من ذلك أن يحتفظ بذخائره الكيميائية لاستعمالها في اشتباك مستقبلي، ولكن كان لهذا القرار -فضلا عن التفاؤل المبكر- تأثير عكسي شديد"[5].

رغم محاولة تحسين وجهه في هذه الهزيمة، طلب الجنرال موراي تعزيزات ضخمة لخوض معركة جديدة، إذ لم تنسحب القوات البريطانية بعيدا عن وادي غزة. وبعد ثلاثة أسابيع اكتملت هذه التعزيزات لخوض مواجهة جديدة اندلعت هذه المرة من البر والبحر، لكنَّ الألمان والعثمانيين كانوا متحصِّنين بصورة ممتازة في غزة، مُدركين أهميتها الإستراتيجية في مسار الحرب، فلئن كانت هزيمتهم في قناة السويس مرتين قد أفقدتهم كامل سيناء، فإنهم أدركوا من وراء ذلك أن فقدان غزة سيجعل الطريق إلى القدس مفتوحا وسيصبح سقوط فلسطين كاملا أمرا مقضيا.

في 17 أبريل/نيسان 1917م بدأت معركة غزة الثانية بتقدم القوات البريطانية الفرنسية وقوات الحلفاء الآخرين باتجاه وادي غزة، وكانت القوة البريطانية هذه المرة تزيد ثلاثة أضعاف على القوات العثمانية الألمانية عدة وعتادا، وكان العرب من سكان المدينة يتعاونون مع العثمانيين في الإمدادات الغذائية والملابس التي تساعدهم على تحمل العواصف الرملية، كما كان تمركز العثمانيين والألمان ممتازا يحول بين هذه القوات البريطانية كثيفة العدد وبين إمدادات المياه التي حرص العثمانيون والألمان على حمايتها بكل سبيل ممكنة خلفهم. ومع تقدم قوات الحلفاء كانت قوات المدفعية والرشاشات الآلية العثمانية تُوقِع العشرات من الضحايا، وطوال الأيام الثلاثة من الحرب، 17-20 أبريل/نيسان، كان تقدم البريطانيين والحلفاء يعني مزيدا من سقوط القتلى في صفوفهم. ولهذا السبب صدر قرار موراي بالانسحاب يوم 20 أبريل/نيسان مساء إلى مناطق مختلفة بعيدا عن غزة وتلالها التي استخدمها العثمانيون بصورة لافتة[6].

كانت الخسائر الفادحة التي تعرَّض لها البريطانيون في الأنفس والمعدات سببا في إصدار لندن قرارا بعزل الجنرال موراي من منصبه، وكان رئيس الوزراء البريطاني الجديد "لويد جورج" من أكثر المناصرين لاتفاقية سايكس–بيكو التي وُقِّعَت قبل عام، ومن أشد المؤمنين بضرورة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. ولهذا السبب أعاد البريطانيون تقييم مسرح العلميات العسكرية، ومع عزل الجنرال موراي صدرت الأوامر إلى الجنرال "إدموند اللنبي" الضابط في سلاح الفرسان الذي خدم وتولى القيادة بصورة ممتازة في جبهة فرنسا، حيث وقع عليه الاختيار وكلَّفه رئيس الوزراء لويد بمهمة واضحة: "أن يغزو فلسطين ويحتلها ويستولي على القُدس قبل عيد الميلاد"[7].

كان أول ما قام به الجنرال اللنبي تغيير قادة المخابرات العسكرية والشؤون السياسية، فعيَّن في قسم المخابرات العسكرية الكولونيل "ريتشارد ماينرتزهاغن"، وقد عُرف بتفوقه في هذا المجال في جبهة شرق أفريقيا. وعلى الفور شرع ماينرتزهاغن في توسيع عملية التجسس خلف خطوط العثمانيين والألمان، مستغلا الشبكة اليهودية التجسسية التي أنشأها "أهارون أهارونسون" وكانت تُقدِّم معلومات عالية الكفاءة للمخابرات البريطانية منذ سنوات في قلب فلسطين. ولهذا السبب قرر جمال باشا أن يُهجِّر كل سكان يافا من اليهود والعرب لإدراكه خطورة ما يُقدِّمه اليهود من معلومات مهمة عن العثمانيين في فلسطين وربما سوريا.

وفي تلك الأثناء تلقَّى اللنبي نبأ سقوط مدينة وميناء العقبة على البحر الأحمر بواسطة قوات الشريف حسين والضابط "توماس إدوارد لورنس" (الشهير بلورنس العرب)، وكان هذا الأمر عاملا كبيرا في تسهيل مهمة اللنبي، حيث أصبح له جناح في العقبة يساعده في الهجوم على غزة. ومما سهَّل مهمة اللنبي أن ميناء العقبة كان خارج حدود الأراضي العربية المقدسة؛ ما يعني أنه أمكنه الاستعانة بغير المسلمين، لأنهم قادرون على دخولها بدون حرج شرعي ونزول الأسطول البريطاني إليها. ويمكن القول إن سقوط العقبة كان سببا مباشرا في خسارة القوات العثمانية في معركة غزة الثالثة، بل إن سقوط العقبة سبَّب إرباكا للقوات العثمانية والألمانية في فلسطين وكامل سوريا، كما مهَّد الطريق نحو احتلال القدس؛ ذلك أن قوات الأمير فيصل ولورانس دخلت إلى فلسطين بالفعل وأسهمت في تهديد الجبهة الخلفية للقوات العثمانية الألمانية التي كانت تتمركز في غزة وبئر السبع[8].

أما خطة اللنبي في احتلال غزة فقد اعتمدت بصورة كلية على عامل الخديعة الذي برع فيه قائد قوات مخابراته العسكرية ماينرتزهاغن، وعلى الالتفاف على القوات العثمانية الألمانية وتغيير شكل المعارك عن الإستراتيجية السالفة التي أصرَّ عليها الجنرال موراي. وقد توقَّع العثمانيون أن اللنبي سيشن هجومه على غزة أولا "باعتبارها بوابة فلسطين" كما ذكر المؤرخ فرومكين. ونظرا لأن العثمانيين كانوا في استعداد جيد، تصنَّع اللنبي مهاجمتها بينما قامت قواته بعملية التفاف حولها، ثم بسرعة عَبَر الصحراء إلى مدينة بئر السبع التي تبعد 50 كيلومترا تقريبا لإسقاطها أولا ومحاصرة غزة من بعيد وقطع الإمدادات عنها. وقد نجحت هذه الخطة، إذ بوغتت القوات العثمانية وتراجعت في حالة فوضى.

كانت الطريقة التي اعتمدها ماينرتزهاغن لخداع العثمانيين مثيرة للغاية. ففي 10 أكتوبر/تشرين الأول ذهب يركب حصانا إلى المنطقة الفاصلة بين الجيشين العثمانيَّيْن المرابضَيْن في غزة وبئر السبع، وهنالك أطلقت عليه دورية عثمانية النار فتظاهر بالإصابة وخلَّفَ وراءه محفظة ملوثة بالدم احتوت أوراقا وكأنها وثائق بريطانية سرِّية تشير إلى أن الهجوم الرئيسي سيقع على غزة عما قريب، ما جعل قوات العثمانيين والألمان تضع كامل ثقلها هناك وتنتظر هذه المعركة وتقف عاجزة عن نصرة بئر السبع. وقد كتب جورج لويد لاحقا: "إن خدعة ماينرتزهاغن قد أكسبتنا المعركة"[9].

بعد سقوط العقبة وبئر السبع وإشغال العثمانيين من الخلف أصبح الطريق إلى غزة مفتوحا، وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول بدأ هجوم الحلفاء للمرة الثالثة على غزة. وقد بدأوا بقصف من المدفعية البحرية، تبعه هجوم بري بجيش قوامه 10 آلاف جندي أمام 8 آلاف جندي تركي كانوا منهكين من كثرة الحروب وضعف الإمدادات. ولذلك فضَّلت القوات الألمانية الانسحاب للخلف، وارتأت أن يكون خط الدفاع هو يافا-القدس، وبذلك سقطت غزة بعد مقاومة شرسة على مدار شهور عام 1917م[10].

لم يكن العثمانيون وحلفاؤهم الألمان يدركون أن سقوط غزة سيتبعه سقوط القدس وكامل فلسطين بعد شهر واحد فقط، حيث دخل الجنرال اللنبي وتوماس لورنس المدينة مزهوين بهذا النصر الإستراتيجي في ديسمبر/كانون الأول، وهو نصر أدَّى إلى احتلال بلاد الشام كلها بعدئذ، وهكذا كانت غزة مفتاحا إستراتيجيا من مفاتيح الحرب العالمية الأولى، بل ويمكننا القول إنها كانت مفتاح جُلّ حروب فلسطين السابقة واللاحقة.