رأى المفكر العربي عزمي بشارة أن عوامل عديدة تقف خلف التردد الإسرائيلي في بدء الغزو البري لقطاع غزة، بعضها يتعلق بقدرات المقاومة هناك، وبعضها الآخر يتصل بالجبهة الشمالية، واحتمالات انخراط "حزب الله" في الحرب، مشيراً إلى أنه لا يوجد ضمانات بالنسبة لإسرائيل بنجاحها في تحقيق "الهدف النهائي"، الذي يقضي بإنهاء حركة "حماس"، وبالتالي إيجاد طرف فلسطيني آخر يحكم القطاع، وكل ذلك يسميه بشارة "حالة عدم يقين من الغزو البري لغزة".
وفي مقابلة مع "التلفزيون العربي" الأحد من مدينة لوسيل في قطر، قال بشارة إنّ الموقف المصري والعربي الرافض لتهجير سكان غزة، إيجابي بحد ذاته، لكنه لاحظ أن المشكلة تكمن في اعتبار أن "التهجير فقط هو خط أحمر"، بينما يجب أن يشمل هذا الخط الأحمر المجازر واستهداف المدنيين.
كما أعرب عن خشيته من أن تفهم إسرائيل هذا الرفض العربي الرسمي القاطع حصراً للتهجير بأنه "مسموح إبقاء سكان غزة في هذا القفص وقتلهم فيه".
وتوقف المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" عند الضغط العسكري الإسرائيلي الكبير على السياسيين لتنفيذ الغزو البري، كذلك الدعم الأميركي المطلق وإعطاء واشنطن حرية العمل لتل أبيب من أجل تحقيق "الهدف النهائي"، أي القضاء على "حماس"، إضافة إلى الإجماع الإسرائيلي الحربي غير المسبوق منذ عشية 1967 وما تسمى "فترة الانتظار لدخول الحرب"، وحتى الإجماع غير مسبوق منذ 1948 ربما، و"هذا يعود إلى حجم الصدمة التي أدت إلى فقدان توازن اجتماعي سياسي فكري في إسرائيل يحاولون معالجته بهذا الإجماع".
لكن في مقابل ذلك، يعتبر بشارة أن بحث الإسرائيليين عن طرف آخر يحكم غزة "ليس محسوماً أن ينجحوا فيه، لأنهم ليسوا وحدهم على الساحة، فهناك فصائل المقاومة، وهناك الرأي العام العربي والحراك العربي، وهناك العالم بشكل عام، خصوصاً بعد مجزرة مستشفى المعمداني".
وتساءل في هذا السياق: "ماذا سيفعلون بعد الغزو البري؟ لنفترض أنهم أحضروا فريقاً لحكم غزة، فما الذي يضمن نجاح هؤلاء؟ الضفة مثلاً لا تحكمها حماس، ورغم ذلك هناك حالة مقاومة"، على حد تعبير بشارة، الذي توقف عند مصير الأسرى المدنيين والعسكريين في غزة، ليلفت إلى أن حياة الأسرى اليوم "باتت تخضع للهدف السياسي ــ العسكري" بالنسبة للقيادة الإسرائيلية، أي إن المسؤولين الإسرائيليين لم يعودوا يعطونه الأولوية مقارنة مع الهدف النهائي للخطة العسكرية.
واختصر المفكر العربي النقاش حول هذا الموضوع بالقول إنه "كأنّ هناك حالة خداع ذاتي إسرائيلي خاصة بوضع "اليوم التالي" لغزو غزة"، ولاحظ أن "تأخر التدخل البري قد يقلل من احتمال حصوله، وكلما زاد التصعيد على الجبهة الشمالية يزداد احتمال انفلات الأمور". احتمال لم يستبعد بشارة حصوله، وخصوصاً أنه "كلما زاد شعور القيادة الإيرانية بخسارة غزة ــ الحليف السني الوحيد، بحسب اللغة الطائفية السائدة، قد يؤدي ذلك إلى الانخراط الكامل لحزب الله في الحرب".
وبرأيه، فإن إسرائيل لا ترغب أبداً بحصول ذلك، وهذا قد يجعلها تعيد حساباتها، بدليل أن القوات الإسرائيلية ابتعدت أخيراً بضعة كيلومترات عن خطوط الاشتباك مع حزب الله لمحاولة تفادي توسيع المواجهة.
وأوضح بشارة أن هذا "يرفع الثمن بالنسبة لإسرائيل ويقلقها، لكنه لا يخفف الضغط على الفلسطينيين". وفي جميع الأحوال، أعرب بشارة عن ثقته بأن نتنياهو "انتهت حياته السياسية، وسيكون هناك لجان تحقيق بعد الحرب".