اخبار دولية

مشروع توطين الفلسطينيين في سيناء.. القصة الكاملة لمخطط قديم جديد

المصدر
بهاء حجار

منذ بدء كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، هجومًا خاطفًا لم يكن أحد يتخيله، فجر السبت 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى استغلال العملية لتدمير البنى التحتية في قطاع غزة المحاصر، وإجبار سكان القطاع للنزوح جنوبًا، كخطوة أولى يأمل من خلالها إخلاء القطاع بالكامل من الفلسطينيين، ونقلهم إلى الأراضي المصرية، وخاصة سيناء.

الشكوك حول قيام دولة بين غزة وسيناء ليست جديدة، وهناك أدلة قوية على أن “إسرائيل” كانت تسعى بقوة، جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة، لإنشاء دولة فلسطينية في سيناء منذ سحبت جنودها ومستوطنيها من قطاع غزة قبل أكثر من عقد من الزمان، فهل من الممكن أن تؤدي الخطط التي نوقشت منذ فترة طويلة إلى أن ينتهي الأمر بمعظم سكان غزة في سيناء إلى جانب ملايين اللاجئين الفلسطينيين؟

نوايا الاحتلال بتوطين الفلسطينيين في مصر

بعد أيام قليلة من القصف الذي يُقال إنه الأعنف منذ بدء الصراع الإسرائيلي مع الفلسطينيين قبل 75 عامًا، أخذت دعوات تفريغ قطاع غزة من السكان طابعًا رسميًّا، حيث طلب جيش الاحتلال الإسرائيلي من 1.1 مليون شخص في شمال غزة إخلاء منازلهم على الفور، في خطوة تشير إلى وجود مخطط لتهجير أهالي القطاع الذي يعيش فيه نحو 2.3 مليون شخص تحت حصار منذ سيطرة حركة حماس على القطاع عام 2007.

لاحقًا، أصبحت الدعوات صريحة على لسان المسؤولين الإسرائيليين، حيث نقلت وكالة “رويترز” عن كبير المتحدثين العسكريين الإسرائيليين، ريتشارد هيشت، قوله إنه ينصح الفلسطينيين الفارّين من غاراته الجوية بالتوجه إلى الأراضي المصرية في سيناء، مؤكدًا أن “معبر رفح مفتوح”، في وقت تكثّف قوات الاحتلال استعداداتها لاجتياح برّي للقطاع، لكن بعد ساعات عدّل جيش الاحتلال التوصية، وأكّد إغلاق المعبر، وأنه لا نية لتوجيه سكان غزة “بالخروج” عبر معبر رفح على الحدود الجنوبية مع مصر.

وأكّدت السفيرة الإسرائيلية في القاهرة، أميرة أورون، أن “إسرائيل ليس لديها أي نوايا متعلقة بسيناء، ولم تطلب من الفلسطينيين الانتقال إلى هناك”، لكن هذا التأكيد لم ينفِ ما نقلته تقارير أمريكية عن محادثات جرت بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، وتضمّنت الحديث عن إجلاء المدنيين الفلسطينيين من غزة إلى مصر، وقالت تلك التقارير إن “البيت الأبيض يناقش تلك الخطوة للبدء في تنفيذها مع دول أخرى”.

ومع ذلك، دفعت تصريحات هيشت دولًا عربية وإقليمية إلى رفض عمليات التهجير، واعتبرها الفلسطينيون نكبة جديدة، حيث حذّر ملك الأردن عبد الله الثاني من تهجير الفلسطينيين من جميع الأراضي الفلسطينية أو التسبُّب في نزوحهم، وأكّد على ضرورة عدم ترحيل الأزمة إلى دول الجوار ومفاقمة قضية اللاجئين.

في حين أصرّت مصر على حلّ النزاع داخل الحدود الفلسطينية الإسرائيلية، لأنه الطريقة الوحيدة لتأمين الفلسطينيين حقهم في إقامة دولة، وأشار المسؤولون المصريون، بمن فيهم السيسي، إلى أنهم غير مستعدين للسماح للفلسطينيين بالفرار إلى شمال سيناء، خشية أن يرقى ذلك إلى مستوى إعادة التوطين الدائم لأكثر من مليونَي شخص لن تسمح لهم “إسرائيل” بعودتهم إلى غزة.

وأشار السيسي إلى المخاوف بشأن عواقب النزوح الجماعي للفلسطينيين من غزة الأسبوع الماضي، قائلًا عقب حضوره حفل تخرج ضباط الشرطة إن السماح لهم بالاستقرار في سيناء، حتى ولو بشكل مؤقت، سيكون بمثابة السماح لـ”إسرائيل” بالسيطرة على قطاع غزة الفارغ، وأكد أن مصر لن تسمح بتسوية القضية الفلسطينية على حساب الأطراف الأخرى، في إشارة واضحة إلى خطر دفع الفلسطينيين إلى سيناء.

ورغم تأكيد المسؤولين المصريين أن مصر ترفض تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، ذكر مسؤول إسرائيلي في وقت سابق أن “إسرائيل” سعت إلى الحصول على موافقة القاهرة لتنظيم مغادرة 2000 فلسطيني يوميًّا من القطاع إلى مصر، قبل أي غزو برّي من قبل القوات الإسرائيلية، وقال إنه “من مصلحة “إسرائيل”” أن يغادر أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين غزة.

تعيد هذه الشكوك حول نوايا الاحتلال إلى الذاكرة مخطط مشروع “خطير” تسعى “إسرائيل” إلى تطبيقه في غزة.

في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، نقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن مسؤول مصري أن بلاده رفضت مقترحًا أمريكيًّا بإنشاء “ممر إنساني” يسمح للمدنيين الفلسطينيين الفارّين بمغادرة قطاع غزة نحو أراضيها، مؤكدًا أن القاهرة لن تقبل حلًّا يجبر الفلسطينيين على مغادرة غزة دون أي أمل في العودة.

وحتى الآن، لم يرغب المسؤولون المصريون في فتح معبر رفح البري، المتنفّس الوحيد لأغلب الفلسطينيين في قطاع غزة، والذي أصبح في مرمى آلة الحرب الإسرائيلية مجددًا بعد قصفه أكثر من مرة، أمام أي حركة للأشخاص ما لم تسمح “إسرائيل” بدخول الإمدادات الغذائية والطبية إلى القطاع، لكنها لا تريد فتح الحدود في الاتجاه الآخر لقبول المدنيين الفارّين وفقًا لمسؤول أمريكي لشبكة “سي إن إن“.

ويشارك آخرون مخاوف السلطات المصرية، بما في ذلك الزعيم السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، الذي قال نهاية الأسبوع الماضي إنه “لن تكون هناك هجرة من غزة إلى مصر”، بعد مطالبة “إسرائيل” بخروج 1.1 مليون شخص إلى جنوب القطاع، وتصريحات من جيش الاحتلال الإسرائيلي مفادها أنه يجب على الفلسطينيين مغادرة غزة ببساطة، رغم عدم قدرتهم على ذلك، وأضاف أن مصر “ترحّب بالشعب الفلسطيني، لكن ليس على أساس الهجرة أو النزوح”.

تعيد هذه الشكوك حول نوايا الاحتلال إلى الذاكرة مخطط مشروع “خطير” تسعى “إسرائيل” إلى تطبيقه في غزة، وهي الفكرة التي تفضّلها “إسرائيل” بشدة، وتدور حول هندسة إنشاء دولة فلسطينية في غزة، ثم الضغط على مصر للسماح لها بالتوسع في الأراضي المجاورة في شمال سيناء.

مخطط إسرائيلي قديم

في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، وُضع مخطط أمني بواجهة اقتصادية واجتماعية لتوطين عشرات الآلاف من الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، ونوقشت الفكرة مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي وصل إلى الحكم حديثًا وأراد تنمية بلاده، لكن لم يكن بوسع الحكومة المصرية الاعتراف بذلك علنًا.

عملت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، التي أُنشئت في ديسمبر/ كانون الأول 1949، بعد طرد ثلاثة أرباع مليون فلسطيني من منازلهم إلى الضفة الغربية وغزة والدول العربية المجاورة، مع الحكومة المصرية لاستكشاف خطط تنمية صحراء سيناء، ووعدت القاهرة بمساعدات مالية كبيرة، من خلال “صندوق إعادة الإدماج”، والذي تدعمه في المقام الأول الولايات المتحدة.

لكن المشروع أغضب الفلسطينيين الذين أدركوا التهديد الذي فرضته الخطة على حقهم في العودة، واعترضوا على وجه التحديد على سيناء كوجهة لإعادة التوطين، ورأوا وجود صلة واضحة بين خطط إعادة التوطين التي تقدمها الأونروا والغارات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على غزة، وهي استراتيجية سياسية متعمّدة للضغط على مصر لنقل الفلسطينيين خارج غزة، وبعيدًا عن خطوط الهدنة.

وفي نهاية المطاف، أدّت الخطة إلى واحدة من أولى حالات التعبئة الجماهيرية الفلسطينية والمقاومة المنظمة بعد عام 1948، وأجبرت انتفاضة عام 1955 في غزة -والتي أصبحت تعرَف باسم انتفاضة أو هبّة مارس- مسؤولي الأمم المتحدة على التخلي عن مشاريع إعادة توطين اللاجئين، والاعتراف بالمطالبات الفلسطينية بهوية سياسية خاصة بهم.

ورغم آلاف الصفحات من تقارير المسح وملايين الدولارات من التمويل المخصّص للأمم المتحدة بحلول نهاية الخمسينيات، كانت خطة نقل الفلسطينيين إلى مصر مجرد واحدة من مشاريع إعادة التوطين المتعددة التي تُخلّيَ عنها بالكامل، ونسيانها أيضًا، ربما لأنها لم تؤتِ ثمارها قط أو جاءت بنتائج عكسية، ومع ذلك يظل هذا التاريخ أكثر أهمية من أي وقت مضى.

بعدها في عام 2010، أكد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك تلقيه عرضًا من نتنياهو -إلى جانب المحاولات والمساعي اللاحقة- لتوطين الفلسطينيين في جزء من أراضي سيناء، في إطار تبادل الأراضي المرتبط باتفاق السلام، لكنه قال في تسريب صوتي نُسب إليه في عام 2017، إنه رفض فكرة توطين الفلسطينيين في مصر رفضًا قاطعًا، وتحديدًا أولئك الذين كانوا في لبنان في ذلك الوقت.

جاءت تصريحات مبارك حينها ردًّا على تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، وردَّ فيه أنه سمح بإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين على الأراضي المصرية استجابة لطلب الولايات المتحدة في الثمانينيات، وإن كان ذلك فقط في سياق محاولة زعماء العالم لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والحرب الأهلية في لبنان، التي بدأت عام 1975.

وبحسب الوثائق التي حصلت عليها “بي بي سي” بموجب قانون حرية المعلومات البريطاني، تشير ملاحظات من لقاء بين مبارك ورئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت تاتشر، في طريق عودته إلى مصر بعد لقائه مع الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان في فبراير/ شباط 1983، إلى أن الأولى وافقت على طلب من ريغان بأن تقبل مصر الفلسطينيين الفارّين من الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1982، بشرط أن يشكّل ذلك جزءًا من “الإطار الشامل” لحلّ التطلعات الوطنية الفلسطينية.

وبحسب ما ورد، كان ردّ تاتشر على فكرة الدولة الفلسطينية فاترًا، وأعربت عن قلقها إزاء ما وصفته بـ”النشاط العسكري الفلسطيني المتزايد ضد “إسرائيل””، بسبب حقيقة أنه “حتى إنشاء دولة فلسطينية لا يمكن أن يؤدي إلى استيعاب كل الفلسطينيين في الشتات”، وبسبب خطورة أن قيام دولة فلسطينية قد يكون بمثابة موطئ قدم إقليمي للاتحاد السوفيتي.

مع وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم عام 2013، أشارت مجلة “فورين بوليسي” إلى أن الرئيس الأسبق محمد مرسي قبل عرضًا أمريكيًّا حمله وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري خلال زيارته لمصر، يقضي بموافقة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي على شطب الديون الخارجية لمصر مقابل توطين الفلسطينيين في سيناء.

وهو ما أكّده الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال كلمة ألقاها أمام الدورة الـ 23 للمجلس الوطني التي عُقدت في مقر الرئاسة برام الله مطلع مايو/ أيار 2018، بقوله: “عندما حكم الإخوان المسلمون في عهد مرسي عُرض علينا جزء من سيناء لكننا رفضنا.. اعتبرنا هذه القضية بمثابة تصفية للقضية الفلسطينية”، مؤكدًا أن “الفلسطينيين لن يتركوا أرضهم ولن يعيشوا على أرض غيرهم”.

بعدها بعام، أشارت تقارير وسائل الإعلام الإسرائيلية أن السيسي عرض خلال لقائه مع نظيره الفلسطيني منح قطعة من سيناء على مساحة 1600 كيلومتر مربع متاخمة لغزة لإقامة دولة فلسطينية، وهو ما سيزيد مساحة غزة إلى 5 أضعاف مساحتها الحالية، وذكرت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي أن عباس سيتخلى في المقابل عن مطلب إقامة دولة على حدود 1967، ومن شأن ذلك أن يحقق رؤية “إسرائيل” المتمثلة في إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح تسميها “غزة الكبرى”.

ليس من المستغرب أن ينفي المسؤولون المصريون والفلسطينيون هذه التقارير علنًا، فقد وصفها مسؤول مصري بوزارة الخارجية بأنها “لا أساس لها من الصحة”، واعتبر الفلسطينيون أنه من “غير المنطقي أن تُحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين على حساب مصر”، وقال أمين عام مكتب الرئاسة الفلسطينية، الطيب عبد الرحيم، إن “القيادتَين المصرية والفلسطينية وحّدتا موقفهما بشأن إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، وعاصمتها القدس”، بينما رحّب الوزراء الإسرائيليون بالاقتراح المذكور، باعتباره رفضًا للجهود الرامية إلى إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية.

ومع ذلك، بدا فيما بعد أن عباس ومسؤوليه يؤكدون بعض جوانب القصة، ففي كلمة ألقاها في اجتماع الهيئة العامة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في محافظة رام الله، في أغسطس/ آب 2014، ورد أن عباس قال إن “أحد كبار القادة في مصر” قال له: “يجب إيجاد ملجأ للفلسطينيين ولدينا كل هذه الأرض المفتوحة”.

وقبل ذلك بأسبوع، قال في لقاء مع إحدى القنوات المصرية الخاصة إن الخطة الإسرائيلية “قُبلت للأسف من قبل البعض هنا (في مصر)… لا تسألوني المزيد عن ذلك، لقد ألغيناها”، ولم يكن عباس واضحًا بشأن ما إذا كانت هذه إشارات إلى السيسي أو سلفه محمد مرسي، الذي ترأّس مصر لفترة وجيزة قبل أن يطيح به الجيش المصري.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يرفض فيها عباس عرضًا لحلّ محنة اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون خارج الضفة الغربية، وفي يناير/ كانون الثاني 2013 قال لصحيفة مصرية إنه طلب من الحكومة الإسرائيلية السماح للاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في سوريا بدخول الضفة الغربية وقطاع غزة، ووفقًا لعباس طالب نتنياهو اللاجئين بالتنازل عن “حق العودة” إلى “إسرائيل” كشرط لعبور الحدود، وهو شرط رفضه عباس على الفور.

جاءت المؤشرات التي تشير إلى احتمال إحياء خطة سيناء على مستوى رفيع من حليف نتنياهو، وزير الاتصالات السابق من حزب الليكود أيوب قرا، عندما توقع تحولًا حادًّا ومحيرًا إلى حد ما في السياسة، وادّعى -قُبيل لقاء بين نتنياهو والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بواشنطن في فبراير/ شباط 2017- أن الزعيمَين سيعتمدان خطة لإقامة دولة فلسطينية في غزة وسيناء، وليس في الضفة الغربية، وهذا من شأنه أن “يوفر حلًّا إقليميًّا من النوع الذي تحدث عنه مسؤولو نتنياهو وترامب”، حسب قوله.

أثارت هذه التصريحات ضجة كبيرة في مصر، وأصدر المسؤولون المصريون نفيًا سريعًا مرة أخرى، وتصاعد القلق لدرجة أن مجموعة من المحامين المصريين البارزين رفعوا دعوى قضائية ضد الحكومة المصرية، بهدف منع أي تحركات لإعادة توطين الفلسطينيين في سيناء.

رفع محامون مصريون دعوى لمنع أي تحركات لتوطين الفلسطينيين في سيناء.

كان أيوب قرا يشير إلى الاقتراح المصري المقدم في عام 2014 لإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في مساحة كبيرة من الأراضي في سيناء سيتم ضمّها إلى قطاع غزة، وهي خطة أقرتها الإدارة الأمريكية، ما يعيد إحياء مبادرة من بنات أفكار رئيس قسم التخطيط في جيش الاحتلال ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق “جيورا آيلاند”، في محاولة “لتدمير القضية الفلسطينية”.

يعود مخطط “جيورا آيلاند” إلى عام 2000، وينص على توسيع رقعة قطاع غزة من خلال اقتطاع جزء من سيناء وضمّها إلى القطاع، وذلك بعد أن تتنازل مصر عن 720 كيلومترًا لصالح القطاع، وحددها على شكل مستطيل، يمتدّ ضلعه الأول على طول 24 كيلومترًا على طول شاطئ البحر المتوسط من رفح غربًا حتى العريش، وبعرض 20 كيلومترًا داخل سيناء، الأمر الذي يعني زيادة مساحة القطاع إلى 3 أضعاف.

ويهدف المخطط إلى بناء مدن جديدة في سيناء للفلسطينيين المهجّرين مع إقامة ميناء بحري ومطار دولي سيكونان حلقة اتصال بين مصر والخليج العربي وأوروبا، وفي حين أن “إسرائيل” ستتمكن من التوسع في المشاريع والمستوطنات، ستستفيد مصر اقتصاديًّا، حيث يمكنها إقامة ممر برّي لجعل الحركة من مصر إلى بقية دول الشرق الأوسط أسهل بكثير، دون الحاجة إلى العبور بأراضي الاحتلال الإسرائيلي.

هل تخضع مصر هذه المرة؟

تجدد مخطط “جيورا آيلاند” تحت مسمّى “صفقة القرن”، والتي كانت تهدف إلى حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتضمّنت الخطة توسيع قطاع غزة ليمتدَّ إلى سيناء، أو في أسوأ الأحوال تنفيذ عمليات نزوج جماعية من القطاع الفلسطيني إلى الأراضي المصرية.

ورغم نفي الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت هذه البنود في الخطة، عادت أخبار حديث نتنياهو عن فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء بديلًا لـ”حل الدولتين”، وتجدد الجدل مرة أخرى في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، بعد دعوات وزيرة شؤون المساواة الاجتماعية الإسرائيلية السابقة، جيلا غامليل، لإقامة دولة فلسطينية بديلة في شبه جزيرة سيناء المصرية، كحلّ بديل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وقالت الوزيرة المنتمية إلى حزب الليكود -خلال زيارتها للقاهرة لحضور مؤتمر إقليمي ينظمه الاتحاد الأوروبي والحكومة المصرية، لتعزيز دور المرأة ودعم المساواة بين الجنسَين- إن “سيناء هي أفضل مكان يعيش فيه الفلسطينيون”.

هذه الأفكر رفضتها مصر بشدة، وأكّدت على لسان وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أن مصر لن تتخلى أبدًا عن سيناء، وقال شكري إن مصر أبلغت السفير الإسرائيلي في القاهرة بموقفها بشأن هذه القضية.

لا تزال مصر تتعرض لضغوط من الدول الغربية التي تقدم أيضًا حوافز اقتصادية في محاولة منها للوصول إلى اتفاق.

التصريحات المتكررة -التي جاءت بعد أيام من الهجوم المسلح المميت على مسجد في شمال شبه جزيرة سيناء- أثارت أيضًا استنكار الفصائل الفلسطينية، واعتبرت حركة حماس أن “الدولة الفلسطينية لن تقوم إلا على أرض فلسطين”، بينما نددت حركة فتح التي يتزعّمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتصريحات الوزيرة، ووصفتها بأنها “فظة وعنصرية”، واعتبرتها “اعتداءً مباشرًا على الشعبَين الفلسطيني والمصري”، ووصفتها حركة الجهاد الإسلامي بـ”المعادية”.

ومع ذلك، لم تكن هذه المرة الأولى التي تروّج فيها الوزيرة الإسرائيلية لهذه الأفكار، فقد سبقتها تصريحات أخرى مماثلة، قالت فيها إن العمل سيكون في إطار خطة شاملة، من شأنها “تخصيص أراضي من سيناء إلى جانب المساعدات الاقتصادية -وغيرها من أشكال المساعدات لمصر- لدولة فلسطينية يمكن ربطها أيضًا بقطاع غزة، وعلى الجانب الآخر إعطاء الكيان الجديد إمكانية التواصل الإقليمي مع قطاع غزة”، وهو ما يؤكد النوايا الأمريكية والإسرائيلية.

ومنذ بداية العملية العسكرية التي شنّتها المقاومة الفلسطينية، وبداية الرد الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة، ظهرت تغريدة للصحفي الإسرائيلي المقرّب من الموساد إيدي كوهين، يدعو فيها سكان غزة الهروب إلى مصر والنجاة بحياتهم، وتطرق في تغريدة أخرى إلى “توطين الفلسطينيين في سيناء مقابل حذف ديون مصر”، ما يشير إلى محاولة تنفيذ هذا المخطط الآن، إلا أن مصر حذّرت من دفع الفلسطينيين النازحين باتجاه الحدود المصرية وتغذية دعوات النزوح الجماعي من غزة، وأكدت أن هذه الدعوات كفيلة بتفريغ القطاع من سكانه وتصفية القضية الفلسطينية نفسها.

ومع ذلك، أفاد موقع “مدى مصر” أنه رغم رفض القاهرة أي اقتراح بحدوث نزوح جماعي من غزة إلى سيناء، إلا أنها لا تزال “تتعرض لضغوط من الدول الغربية التي تقدم أيضًا حوافز اقتصادية في محاولة منها للوصول إلى اتفاق”، ونقل الموقع عن مصادر قولها إن هناك بعض “الميل لقبول” تدفق أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى سيناء داخل دوائر صنع القرار في مصر، إذا قدم الشركاء الدوليون حوافز اقتصادية، ومع ذلك احتمال تقديم دعم مالي طويل الأمد للفلسطينيين في مصر، سواء من القاهرة أو دوليًّا، يبدو بعيدًا جدًّا.

يفضح هذا التصريح الخطير للسيسي أن اعتراضه ليس على مبدأ تهجير الفلسطينيين، إنما على تهجيرهم إلى سيناء.

وفي تفسير لموقف القاهرة برفض خروج الفلسطينيين من غزة، تقول مجلة “ذي إيكونوميست” إن مصر تحتاج إلى تطمينات بأنها لن تترك لتتعامل مع لاجئي غزة بمفردها، ويتمثل القلق بشأن السماح لمئات الآلاف بعبور الحدود، والذين سيحتاجون إلى التعليم والرعاية الصحية والإسكان، في أنهم سيبقون، وهناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن متى ستسمح “إسرائيل” لسكان غزة بالعودة، وما الذي سيتبقى لهم عندما يعودون.

أما آخر التحديثات، فاقتراح مروّع من الرئيس السيسي، خرج به إلى العلن أمس الأربعاء في مؤتمر صحفي مشترك في القاهرة مع المستشار الألماني أولاف شولتس، بعد أن همس به -على ما يبدو- في أذن عدد من قادة الدول المعنية والمهتمة، ويلخّصه السيسي بالقول نصًّا:

“إذا كان هناك فكرة للتهجير، توجد صحراء النقب في “إسرائيل”، ممكن أوي يتم نقل الفلسطينيين لحتى تنتهي “إسرائيل” من مهتمها المعلنة في تصفية المقاومة أو الجماعات المسلحة، حماس والجهاد الإسلامي وغيره، في القطاع، ثم بعد كده تبقى ترجعهم إذا شاءت”.