حرب إقليمية واسعة قد تشهدها المنطقة وقد تتورط فيها أمريكا ضد إيران وحلفائها بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة، ورغم أن جميع أطراف الحرب المحتملة لا يريدونها، فإنه يبدو أن الأمور تسير نحو احتمال اندلاعها.
ويثير عنف القصف الإسرائيلي لغزة قلقاً عالمياً. وهذا القلق يشمل الفلسطينيين المحاصرين في غزة، ولكن الأخطر احتمال تطور هذا الصراع إلى حرب إقليمية أكبر. وفي حين أن أياً من الأطراف الرئيسية في هذا الصراع- ربما باستثناء حماس- لا ترغب في حرب كهذه ولن تفيد منها، فإن أفعالها تجازف بحدوثها، حسبما ورد في تقرير موقع Responsible Statecraft الأمريكي.
لماذا لا تريد إسرائيل حرباً إقليمية؟
فليس ثمة ما يشير إلى أن إسرائيل أو رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، يرغبان في توسيع رقعة الحرب، حسب الموقع الأمريكي.
ويرجع الموقع ذلك إلى أن الاضطراب الذي تواجهه حكومة نتنياهو وعجزها عن منع الهجوم والتعامل مع توابعه يقوّضان فكرة رغبتها في حرب شاملة أو توقعها إياها.
وستواجه إسرائيل أزمة كبيرة لو انخرطت في حرب على جبهتين إذا هاجمها حزب الله من الشمال.
ولهذه الأسباب لا يريد حزب الله وإيران التورط في الصراع
وليس ثمة ما يشير أيضاً إلى أن حزب الله يرغب في خوض حرب مع إسرائيل، رغم إشارة صحيفة The Wall Street Journal إلى أن حماس نسَّقت الهجوم مع حزب الله وإيران.
فحماس وحدها هي من هاجمت إسرائيل، ولم يحدث هجوم شامل من الشمال بعد هجمات حماس مباشرة. وبالنظر إلى الوضع الاقتصادي المتأزم في لبنان، فقد تؤدي حرب مع إسرائيل إلى انهيار البلاد.
وبالمثل، لا يبدو أن إيران ستستفيد من وقوع حرب شاملة. فبتعبير دبلوماسي أوروبي: "إيران تفضل صراعاً محدوداً مع إسرائيل، وليس حرباً مفتوحة". والنظام الإيراني تجاوز لتوه واحداً من أكبر التهديدات التي واجهت حكمه وتنفَّس الصعداء بعدما مرت ذكرى مقتل مهسا أميني دون احتجاجات تُذكر.
والاقتصاد الإيراني أيضاً في وضع متأزم، وتركيز الحكومة الأساسي منصبٌّ على اتفاق مع واشنطن لخفض التصعيد والإفراج عن الأموال الإيرانية وتخفيف العقوبات على مبيعات النفط الإيراني. ووفقاً للاستخبارات الأمريكية، فإيران فوجئت بالهجوم، ولم تنسق مع حماس.
واتخذت إيران أيضاً خطوة غير اعتيادية، فبعثت برسالة إلى إسرائيل عبر الأمم المتحدة تبلغها فيها برغبتها في خفض التصعيد. لكنها في الوقت ذاته نوهت إلى أنها ستضطر للتدخل لو أن إسرائيل واصلت قصف غزة.
ولكن في المقابل، قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إنه تم إبلاغ إسرائيل عبر داعميها، بأنها "إذا لم تتوقف جرائمها في قطاع غزة فإن غداً سيكون متأخراً، وفق ما صرح به المسؤول الإيراني لقناة "الجزيرة"، الأحد 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ولو أن سياسة إدارة بايدن في الشرق الأوسط بها ذرة واحدة من العقلانية، لكان يُفترض أن تعارض أيضاً أي تصعيد في القتال. فبين حرب أوكرانيا وأزمة محتملة مع الصين على تايوان، لن يكون بوسعها تحمُّل حرب شاملة في المنطقة.
وتركيز الإدارة الأمريكية منصب بالكامل على التوصل إلى اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية والذي أُعلن أن الرياض قد جمدت المفاوضات بشأنه. والبيت الأبيض مهووس بهذه الفكرة لدرجة أنه بدأ بالتفكير في عرض اتفاق أمني على السعودية وإمدادها بتكنولوجيا لتخصيب اليورانيوم. وبالتالي لم تكن حرب في الشرق الأوسط ضمن أجندة بايدن.
وأخيراً، فالدول العربية في المنطقة، من مصر إلى سوريا والسعودية، ليس لديها ما تكسبه من حرب إقليمية شاملة وإنما الكثير لتخسره. فمصر تخشى تدفق سكان غزة إلى سيناء بأعداد كبيرة، وهذا، بكلمات ديفيد هيرست، "قد يلقي بها في الهاوية بعد عقد من التدهور الاقتصادي". وسوريا الأسد منشغلة بتطبيع العلاقات مع الدول العربية السنية والعودة إلى الجامعة العربية، وذلك لاسترداد شرعية الأسد السياسية وإعادة بناء الاقتصاد السوري.
أما ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي كان في طريقه لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فاضطر إلى تغيير مساره بسبب الغضب الذي عمّ العالم العربي جراء قصف غزة. وما حفزه جزئياً على الاتصال بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وهو الأول من نوعه، كان رغبته في الحفاظ على قيادته في هذه القضية بدلاً من تسليمها إلى طهران. لكن العنف في غزة، وإمكانية اندلاع حرب شاملة يشكلان تحدياً كبيراً لطموح بن سلمان في تنصيب نفسه زعيماً لا ينافَس للعالم العربي، حسب الموقع الأمريكي.
ولكن رغم أن من مصلحة جميع الأطراف تقريباً منع حدوث حرب شاملة، فجميعها أيضاً تتصرف بطريقة تزيد من احتمالية وقوع هذه الحرب.
فلو نجح اجتياح إسرائيل لغزة في القضاء على حماس، لاضطر حزب الله إلى التدخل، لا لإنقاذ حماس بالضرورة وإنما لإنقاذ نفسه.
وتدخُّل حزب الله، بدوره، قد يزج بإيران إلى الصراع بصورة مباشرة. فرغم إعلان إيران معارضتها لاتساع رقعة الحرب، حذر وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان، إسرائيل من أنها ستواجه "زلزالاً عنيفاً" لو لم تتوقف عن قصفها لغزة.
وإذا تدخل حزب الله وإيران في الحرب، فستتعرض إدارة بايدن لضغوط هائلة لتتدخل عسكرياً رغم رغبة الولايات المتحدة الواضحة في ألا تفعل، الأمر قد يؤدي لتورط واشنطن في حرب إقليمية واسعة.
لكن تصرفات الرئيس بايدن حتى الآن لا تشي بأنه سيقدّم مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية طويلة المدى على مصالحه السياسية قصيرة المدى في هذا السيناريو.
ومن المؤكد أن أي تدخل عسكري أمريكي مباشر في غزة، أو ضد حزب الله وإيران، سيفضي إلى هجمات كبيرة على القوات والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط من جانب الجماعات المسلحة المدعومة من طهران. وحذرت ميليشيات في العراق واليمن بالفعل من رد متعدد الجبهات على أي تدخل أمريكي.
حرب إقليمية
ويدرك البيت الأبيض تمام الإدراك هذه المخاطر التي يطرحها التصعيد. ففي اجتماع انعقد مطلع هذا العام بين اثنين من كبار المسؤولين الأمريكيين وممثل رفيع المستوى للحكومة الإيرانية، حذر أحد المسؤولين طهران من ضربها عسكرياً لو أنها خصبت اليورانيوم إلى درجة نقاء 90%. ودون ذرة واحدة من التردد، رد المسؤول الإيراني بأن إيران سترد على الفور بتدمير 14 قاعدة أمريكية في المنطقة بإمطارها بآلاف الصواريخ خلال 24 ساعة.
وصفت الديمقراطيين الداعين للهدنة بالمقرفين.. رفض إدارة بايدن لوقف عدوان إسرائيل يقود المنطقة للحرب ورغم كل هذه المحاذير ورغبة الجميع في تجنب حرب إقليمية، فإنّ رفض إدارة بايدن الدعوة إلى وقف التصعيد ووقف إطلاق النار- أو الضغط عملياً على إسرائيل لممارسة حقها في الدفاع عن نفسها ضمن حدود القانون الدولي- يمثل مشكلة كبيرة.
ولا يقتصر الأمر على إفلاس البيت الأبيض الأخلاقي في عهد بايدن، الذي يقف في طريق الجهود المبذولة لإنهاء الأزمة، حسب الموقع الأمريكي (كشفت رسائل بريد إلكتروني داخلية صادمة أن مسؤولي وزارة الخارجية مُنعوا من استخدام مصطلحات مثل خفض التصعيد، ووقف إطلاق النار، وإنهاء إراقة الدماء، والتهدئة)، ولا الاستهانة الفجة بأرواح الفلسطينيين التي أبداها البيت الأبيض حين انتقد المتحدث باسمه النواب الديمقراطيين الذين طالبوا بوقف إطلاق النار ووصفهم بالـ"مقرفين".
تطالب إيرانَ بضبط النفس ولا تفعل مع إسرائيل
بل هو أيضاً سوء التصرف الاستراتيجي المتمثل في إعطاء إسرائيل تفويضاً مطلقاً لتفعل ما يحلو لها رغم معرفة واشنطن وإدراكها للخطر الهائل بأن تزج أفعال إسرائيل الجامحة في غزة بها في حرب إقليمية شاملة لا تخدم مصلحة الولايات المتحدة ولا إسرائيل. ولذا قد يكون تحذير حزب الله وإيران بضبط النفس، دون مطالبة إسرائيل بالمثل، مفيداً سياسياً لبايدن، لكنه على الأرجح سيفضي إلى السيناريو الكارثي الذي يخشاه.
فكما قال بن رودس مسؤول البيت الأبيض بعهد أوباما في مدونته الصوتية، الأسبوع الماضي: "النصح بضبط النفس والدعوات إلى اتباع قوانين الحرب، ليس هدفها إبداء عدم الاهتمام بما مرت به إسرائيل. بل هذا ما كنت أتمنى أن يفعله أحد للولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر/أيلول".
لكن بايدن بموقفه لا يقدم لإسرائيل نصيحة خائبة فحسب، بل يقدم لها نصيحة خائبة قد تؤدي إلى مقتل الآلاف من الأمريكيين في حرب أخرى لا معنى ولا ضرورة لها في الشرق الأوسط. ولو أنه يفتقر إلى الإنسانية اللازمة للدعوة إلى وقف إطلاق النار لمنع مقتل آلاف الفلسطينيين، فعليه على الأقل ألا يتخلى عن مسؤوليته رئيساً للولايات المتحدة في حماية الأمريكيين من التعرض للقتل.