قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، الاثنين: "لقد أصدرت الأمر بفرض حصار كامل على قطاع غزة. لا كهرباء ولا طعام ولا غاز، كل شيء مغلق، نحن نقاتل حيوانات بشرية". هذا التصريح "المقزز" وفق تعبير منظمة هيومن رايتس ووتش يمثل "دعوة لارتكاب جرائم حرب" ولا يأتي من فراغ.
تقبض إسرائيل على أرواح أهل غزة من خلال السيطرة على كل ضروريات الحياة، لاستخدامها، بخلاف القوانين الدولية والإنسانية، في ابتزازهم بحقوقهم البشرية في أرضهم، وترويعهم لإسكاتهم.
واستعرض موقع "العربي الجديد" بالأرقام، كيف تستخدم إسرائيل سلاح المجاعة والتفقير والترويع حتى خلال فترات السلم.
السيطرة على الكهرباء والوقود
حذرت وكالة الأمم المتحدة الإنسانية (أونروا) الثلاثاء من أن قطع إسرائيل للإمدادات قد يؤدي إلى انقطاع الوقود عن محطة توليد الكهرباء في غزة خلال أيام ويسبب نقصا حادا في مياه الشرب لنحو 610 آلاف شخص. وقالت: "توقفت السلطات الإسرائيلية عن تزويد قطاع غزة بالكهرباء، مما أدى إلى تقليص ساعات الكهرباء إلى 3-4 ساعات يومياً".
ويعاني قطاع غزة المحاصر إسرائيلياً منذ عام 2006 من أزمة كهرباء مستمرة نتيجة العدوان الإسرائيلي المتكرر على محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع. فيما يغلق الاحتلال المعابر التي توصل الوقود إلى القطاع، ما يمنع محطة الوقود الوحيدة من العمل، كما يحصل حالياً.
وتأتي الإمدادات الطاقية من ثلاثة مصادر، أبرزها محطة التوليد التي توفر حالياً نحو 90 ميغاواط من إجمالي 120 ميغاواط، بينما يحصل القطاع على قرابة 120 ميغاواط من الخطوط الإسرائيلية، وفق مراسل "العربي الجديد". هذه الورقة تستخدمها إسرائيل في كل مرة خلال اعتداءاتها المتكررة على القطاع، حيث تنسحب التأثيرات على ضخ المياه، وعمل المستشفيات، وكذا المتاجر وتوافر الكهرباء في البيوت.
ولم يزد عدد ساعات وصل التيار الكهربائي عن 8 ساعات قبل الحرب الأخيرة مقابل 8 ساعات فصل، في أفضل الأحوال، مع ارتفاع ساعات الفصل في أوقات الذروة في الشتاء والصيف لتتجاوز 12 ساعة يومياً، وهو ما يدفع السكان للبحث عن بدائل مكلفة مادياً.
وقال رئيس سلطة الطاقة الفلسطينية ظافر ملحم، اليوم الأربعاء، إن محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة ستتوقف عن العمل بعد 7 ساعات (انتهت عند الثانية والنصف بعد الظهر بتوقيت غرينتش).
والأحد، أعلن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابينت"، قطع إمدادات الكهرباء إلى قطاع غزة، رداً على تنفيذ الفصائل الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى".
ويبلغ متوسط احتياجات قطاع غزة من الكهرباء 550 ميغاواط، بينما كان يتوفر منها حتى يوم الجمعة الماضي، نحو 205 ميغاواط. يذكر أنّ خطاً للكهرباء من مصر كان يمد غزة بالتيار بقدرة 30 ميغاواط / ساعة، لكنّه متوقف عن العمل منذ عام 2018.
السيطرة على المياه
قال وزير الطاقة الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الاثنين، إنه أصدر تعليماته للسلطات بقطع إمدادات المياه عن قطاع غزة. ونقلت القناة 12 الإسرائيلية عن كاتس قوله: "تم قطع جميع أنابيب إمدادات المياه من إسرائيل إلى قطاع غزة".
وردّ المتحدث الرسمي باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ينس ليركه، في مؤتمر صحافي في جنيف أمس، أنّ "هذا القرار يؤثر على أكثر من 610 آلاف شخص في غزة وسيؤدي إلى نقص حاد في مياه الشرب".
عملياً، يشير موقع بلدية غزة في أغسطس/ آب الماضي أن تقريراً أعدته دائرة المياه في البلدية لفت إلى أن المياه في مدينة غزة تأتي من ثلاثة مصادر وهي المياه المنتجة من الآبار المحلية، والمياه المحلاة من مياه البحر عبر محطة التحلية في منطقة شمال غرب المدينة، والمياه التي ترد من شركة "ماكروت" الإسرائيلية.
وتبلغ كمية المياه التي تضخها البلدية يومياً نحو 100 ألف كوب ويتم توفيرها من خلال تشغيل نحو 75 بئراً في المدينة ويصل من خط المياه المحلاة "ماكروت" نحو 23 ألف كوب فيما يتم توفير 10 آلاف كوب من محطة التحلية في منطقة شمال غرب المدينة.
لكنّ عمليات الضخ هذه تتوقف على توفير الكهرباء، التي قطعتها إسرائيل، وعلى الوقود للمولدات الذي يمنع الاحتلال دخوله من خلال المعابر، وبالتالي فإن قطع المياه الإسرائيلية قد يؤدي إلى حالة إنسانية خطيرة جداً، وفق متابعين للملف.
وشرحت منظمة العفو الدولية في تقرير عام 2017، أنه بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة في العام 1967 بوقت قصير، قامت السلطات العسكرية الإسرائيلية ببسط سلطتها على كافة مصادر المياه، والبنية التحتية الخاصة بالمياه في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
واليوم، لا تزال إسرائيل تسيطر على إمكانية حصول الفلسطينيين على المياه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتقيِّد تلك الإمكانية إلى الحد الذي لا يلبي احتياجات الفلسطينيين، ولا يشكل توزيعاً عادلاً للموارد المائية المشتركة.
في نوفمبر/تشرين الثاني 1967، أصدرت السلطات الإسرائيلية الأمر العسكري رقم 158، الذي نصَّ على أنه لا يُسمح للفلسطينيين بإنشاء أي تمديدات مياه جديدة من دون الحصول أولاً على تصريح من الجيش الإسرائيلي.
ومنذ ذلك الوقت ظل استخراج المياه من أي مصدر جديد، أو تطوير أي بنية تحتية جديدة للمياه يشترط الحصول على تصاريح مسبقة من إسرائيل، وهو أمر شبه مستحيل. كما أن الجيش الإسرائيلي غالباً ما يدمر خزانات مياه الأمطار المملوكة للمجتمعات الفلسطينية.
وفي قطاع غزة، يُعتبر 90% إلى 95% من إمدادات المياه ملوثاً وغير صالح للاستهلاك البشري، بحسب المنظمة ذاتها. ولا تسمح إسرائيل بنقل المياه من الضفة الغربية إلى غزة، كما أن المصدر الوحيد للمياه العذبة في غزة، وهو المياه الجوفية الساحلية، لا يلبي احتياجات السكان، ويتعرض للنضوب على نحو متزايد نتيجة للاستخدام المفرط وللتلوث بسبب تسرُّب مياه المجاري ومياه البحر إليه.
ووصلت نسبة التلوّث في مياه قطاع غزة إلى حوالى 98%. ووفق آخر الإحصاءات الصادرة عن سلطة المياه الفلسطينية، فإن نسبة العجز بالمياه في القطاع وصلت إلى 110 ملايين متر مكعب سنوياً، من أصل 200 مليون متر مكعب من المياه التي يحتاجها سنوياً.
وبحسب تقرير أوكسفام في العام 2021، يبلغ متوسط استهلاك الفرد اليومي في غزة 88 لتراً فقط؛ وفي إسرائيل، بالمقارنة، يتجاوز الرقم 200 لتر.
معابر الغذاء والأفراد
ومنذ يوم السبت، أغلقت إسرائيل كافة المعابر مع قطاع غزة في الاتجاهين. وتفرض إسرائيل، حصاراً برياً وبحرياً وجوياً صارماً على غزة منذ ما قبل "طوفان الأقصى" لكنها اعتادت السماح ببعض المساعدات التجارية والإنسانية عبر المعبرين اللذين تسيطر عليهما هما إيرز وكرم أبو سالم، وكلاهما مغلق.
كما يدخل بعض السلع والأغذية والوقود إلى غزة من مصر عبر معبر رفح، لكن إياد البزم، المتحدث باسم وزارة الداخلية الفلسطينية، قال يوم الثلاثاء إن رفح تعرضت للقصف.
وبحسب "غيشاه-مسلك" وهو مركز إسرائيلي للدفاع عن حريّة التنقل، فإنّ معبر كرم أبو سالم هو المعبر التجاري الأساسي في قطاع غزة، والمعبر الوحيد مع إسرائيل، وهو بمثابة شريان الحياة بالنسبة لسكان قطاع غزة. في كل يوم تدخل إلى غزة مئات الشاحنات التي تحمل منتجات أساسية، مواد خام للصناعة، معدات طبية، منتجات غذائية، مواشٍ، فواكه، وقود، مواد بناء وغيرها.
ووفق معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني يتضح أن قيمة البضائع التي يتم شراؤها من وكلاء أو شركات إسرائيليّة تشكل أكثر من 80% من مجمل قيمة السلع التي تدخل إلى غزة عبر المعبر.
ويعتمد المزارعون، أصحاب المصانع والتجار في غزة (والذين يشغّلون الآلاف من العمال في القطاع) على معبر كرم أبو سالم لتسويق بضائعهم، خاصة إلى الأسواق الطبيعية بالنسبة لهم: الضفة الغربية، وإسرائيل وأيضاً لدول الخارج. وبحسب الموقع فإن السيطرة على المعبر، على بنيته التحتية، وعلى كل ما ينقل من خلاله في كلا الاتجاهين، هي بالأساس بيد إسرائيل.
كذلك، يتم استخدام معبرين فقط لتنقل الأشخاص من غزّة وإليها: معبر رفح على حدود القطاع مع مصر، ومعبر إيرز بين غزة وبين اسرائيل. حتى عندما يعمل معبر رفح، فإن معبر إيرز هو الوحيد الذي يربط غزة، وإسرائيل والضفة الغربية. وبحسب الموقع الحقوقي الإسرائيلي، فإن حركة التنقل عبر معبر إيرز متاحة لقلّة فقط من سكان قطاع غزة ممّن يستوفون واحدة على الأقل من الفئات الثلاث التي حددتها إسرائيل: من يحملون تصريح تاجر أو تصريح عمل، مرضى يحتاجون إلى علاج طبي منقذة للحياة وغير متاح في قطاع غزة ومعهم مرافقوهم، والحالات التي تحددها إسرائيل على أنها "إنسانية استثنائية". وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الاثنين من أن الوضع الإنساني في غزة كان بالفعل “مريعًا للغاية”، و"الآن سوف يتدهور بشكل كبير".
وقال برنامج الأغذية العالمي يوم الأحد، إنه في حين تحتفظ معظم المتاجر في الإقليم "بمخزون من المواد الغذائية لمدة شهر واحد"، فإن هذه المخزونات "مهددة بالاستنفاد بسرعة مع قيام الناس بالتخزين خوفا من صراع طويل الأمد". وأضافت أن انقطاع الكهرباء المتكرر يهدد أيضًا بتلف المواد الغذائية.
وتشرح بي بي سي أن القطاع يضم حوالي 2.3 مليون شخص في المجمل، 80% منهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية.
فيما تقول "سي أن أن" إن غزة تعد من أكثر الأماكن كثافة سكانية على وجه الأرض، حيث يعيش حوالي مليوني شخص في مساحة تبلغ 140 ميلاً مربعاً. ويعاني أكثر من نصف سكانها من انعدام الأمن الغذائي ويعيشون تحت خط الفقر، وفقا للأونروا.
ويبلغ معدل البطالة المثير للقلق في غزة حوالي 50%، وفق تقرير يونيسكو في العام 2021، ويعيش أكثر من نصف سكان القطاع في فقر، ويعاني 62% من سكان غزة من انعدام الأمن الغذائي.
(العربي الجديد)