يترصد الشاب الثلاثيني سعيد علي أحمد وهو جالس على رصيف في أحد الشوارع الرئيسية في مدينة عدن، جنوبي اليمن، وصول أي شخص يطلب عمالا لاختياره، على أمل أن يجني بعضا من المال يستطيع به توفير أبسط احتياجات أسرته.
إلى جانب الشاب أحمد، يفترش المئات من العاملين بالأجر اليومي الأرصفة منذ ساعات الصباح الأولى حتى المساء، في مدينة عدن الساحلية وغيرها من مدن البلاد. ويجلسون في أماكنهم المعتادة حاملين معدات العمل في مجالات مختلفة، كالبناء والسباكة والحفر.
وقال أحمد (35 عاما) إنه يخرج يوميا في الصباح الباكر بحثا عن عمل، وأشار إلى قلة فرص العمل المتاحة أمامه خلال الفترة الماضية، وهو واقع لم تشهده المدينة التي تتخذها الحكومة المعترف بها دوليا عاصمة مؤقتة للبلاد ومقرا لها.
وأوضح أن نشاط المقاولات وشركات البناء لم يتوقف على الإطلاق، إلا للضرورة القصوى ولفترات قليلة جدا، حتى وقت قريب في عدن، مع تدفق المغتربين من الخليج للاستثمار وإنشاء مشاريع وإقامة منازل خاصة بهم، وحينها كان يتنقل للعمل بشكل متواصل من منطقة لأخرى في ظل ازدهار حركة العقارات وأعمال البناء، لكنه قال إنه "منذ العام الماضي، تغيير الوضع، وازداد سوءا العام الجاري".
وقال الباحث المتخصص في الشؤون الاقتصادية وحيد الفودعي إن عمال الأجر اليومي يعانون من صعوبات هائلة بسبب الحرب الدائرة في البلاد وتداعياتها الكارثية على مختلف الأصعدة، وما نتج عنها من تضخم وفقدان الريال اليمني لقيمته الشرائية.
وأوضح الفودعي أن "الركود الاقتصادي بشكل عام أثر على عمال الأجر اليومي بشكل كبير، سواء من ناحية محدودية فرص العمل، أو من ناحية عدم القدرة على إدارة احتياجاتهم اليومية وتلبية متطلباتهم من مأكل ومشرب وإيجار ودواء وغيرها، ما أدى إلى تقلص حاد في فرص العمل وتفشي البطالة والفقر".
معاناة يومية
يقول عبد الوهاب أحمد (40 عاما)، الذي يعمل في البناء في منطقة الشيخ عثمان في عدن، لـ"رويترز"، إنه يكابد يوميا من أجل توفير لقمة العيش لأسرته المكونة من سبعة أفراد.
ويروي أنه كان يعمل كل أيام الأسبوع في السابق ويجني أسبوعيا ما بين 150 إلى 200 ألف ريال (150 دولارا)، لكنه يعمل حاليا يوما أو يومين، ويحصل على أقل من نصف ما كان يجنيه من قبل.
وعزا ذلك إلى الركود الكبير في قطاع البناء والعقارات بعدن، فضلا عن الإجراءات الحكومية المعقدة للحصول على تراخيص البناء في بلد يعاني من تداعيات الحرب لسنوات.
وتقدر مصادر محلية وأخرى نقابية أن عدد العمال الذين تأثروا بشكل مباشر جراء استمرار الصراع في البلد، المصنف أحد أفقر الدول العربية، يصل إلى أكثر من تسعة ملايين. كما تشير بيانات رسمية صادرة عن وزارة الصناعة والتجارة إلى خروج أكثر من نصف المنشآت الصناعية في اليمن عن الخدمة وتوقفها عن العمل منذ اندلاع الحرب، وأن أكثر من 65% من العاملين بمنشآت القطاع الخاص جرى تسريحهم.
إجراءات معقدة
وأرجع محمد مصطفى ياسين، المهندس المعماري والمقاول في عدن، حالة الركود إلى وقف البناء في الأراضي غير المرخصة وعدم إيجاد حلول لها. ويقول إن "المباني من دور أو أكثر في أراض غير مرخصة يُمنع الآن البناء فيها، فضلا عن دفع رسوم باهظة لإخراج تصاريح بناء للأراضي الرسمية، وابتزاز ودفع مبالغ خارج إطار الرسوم القانونية بهدف إنجاز المعاملة".
وأصدر محافظ عدن أحمد حامد لملس قرارا، في أواخر 2021، يقضى بتشكيل وحدة أمنية للتدخل بمشكلات الأراضي والبناء العشوائي، ومهمتها إيقاف العمل في أي مخططات غير صادرة عن هيئة الأراضي وعقارات الدولة والتخطيط العمراني، وكذلك منع البناء والتشييد من دون تراخيص.
وأكد سكان في عدن أن هذه الإجراءات زادت من معاناة عمال الأجر اليومي والمواطنين على حد سواء، فبدلا من أن تكون هذه الإجراءات عاملا مساعدا لتيسير عمليات البناء على السكان، أصبحت تثقل كاهلهم وتحملهم أعباء مالية إضافية.
وعزا مسئول حكومي في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في عدن تراجع الأعمال الحرة وتوقف عشرات المشاريع الخدمية والتنموية للحكومة، كإنشاء الطرقات وبناء المدارس والمستشفيات وغيرها، إلى توقف البنك الدولي وعدد من الدول المانحة عن تمويل تلك المشاريع.
وبحسب صندوق النقد الدولي، فإن التقديرات الحالية تشير إلى أن 17 مليون يمني سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، في حين استطاعت الأمم المتحدة جمع 1.2 مليار دولار فقط من أصل 4.3 مليارات دولار ضرورية لمواجهة هذه الأزمة، ووصل التضخم في أسعار الغذاء إلى 45% في 2022.