الطريق إلى بيت عبدالقدوس

بين بيتنا وبيت عبدالقدوس سور صغير وأحجار وزعتها السنوات وشجرة طلح لا أحد منا يتذكر متى كانت نبتة صغيرة.

بين بيتنا وبيت عبدالقدوس تلة صغيرة وطريق تمر فيه السيارة كل عشرة أعوام وتلقي التحية وتأخذ كمية من تلك الحجارة.

لكن أمي أحالت تلك المسافة إلى أهم طريق في حياتنا، تقول: المسافة بين كذا وكذا مثل المسافة من بيتنا لبيت عبدالقدوس أقل او أكثر بمرة.

تقيس الأشياء بقدر تلك المسافة، قبل يوم قالت لي: رجعت وقد كنت جنب بيت عبدالقدوس، أي أنها سارت بين تلك الشواهد، أي أنها تجاوزت الشجرة القديمة، وطوّت كل ذكرياتي هناك. ربما رأت ذلك الطفل الذي أخفى حذاءه بين تلك الأحجار ليعلن فقدانها وأنه لن يذهب إلى المدرسة في اليوم التالي. لكنها وجدت، ذلك الطفل وقد كبر كثيرًا يا أمي حتى أصبح أبعد عن تلك المسافة بآلاف المرات.

المسافات كانت دائمًا سر الحياة ومؤخرًا صارت كل شيء، يجلس في البيت الأبيض رجل، ويفتح شاشة على الجدار ونحن نرقب معه المسافة بيننا والكواكب الأخرى. ومنذ أزيد من نصف قرن والأمريكيون يأخذوننا بعيدًا عن واقعنا بينما الحقيقة تكمن هنا، العجلة تدور هنا، الصراع ليس حيث يشيرون وقد علقوا أننا نرى ماضي تلك المجرات ومستقبلها، أووو قلت: الماضي كم نحن حاضرون فيه.

نحن رواده ولنا تاريخ عريق حتى أن سفيرنا في لندن، وهو بالمناسبة من أكثر من نقدرهم، قال مطلع الأسبوع إن أول نقطة يجب أن يعرفها بايدن عن الأزمة اليمنية، هي أننا بلد له تاريخ عريق.

صحيح، لليمن تاريخ عريق، عشرات الآلاف من عمال المدرجات والسدود كانوا يعملون على صيانة شبكات الري في اليمن قبل الإسلام بثلاثة عقود وفق دراسة كشفت عنها جامعة بازل السويسرية قبل شهر ونشرت في الساينس، لكن ماذا تقول عن الحاضر، إن أردت البقاء يومًا إضافيًا في صنعاء فليس عليك أن تسرد تاريخها، بل حري بك أن تتوسل محمد علي الحوثي بطيبة قلبه ولطفه مع العابرين، وإن أردت حلًا فعليك الجلوس على طاولة يرأسها المشاط ويتيح لك مشاهدة شاشة مثبتة على الجدار يتحدث منها من كان سبب لكل ما حل بالبلاد، ولكل بلد شاشاته وناسه.

في المساء تعب بايدن وهو يقرأ الأرقام بين المجرات، وفي الصباح كان عليه أن يسير نحو الصحراء ويوزع الابتسامات؛ راغبًا بالمزيد من النفط.

الخيال واسع، الماضي خصيب، والمستقبل وعود كثيرة، لكن الحاضر هو المسافة بين بيتنا وبيت عبدالقدوس. الحاضر هو الكيلو متر وليست ملايين السنوات الضوئية التي يذهبون إليها لإخبارنا أنهم لم يتوقفوا عن النمو، كاشفين عن مكاننا في الطريق.

ذات السبعيني الذي جلس ليرينا صورة الكون وسعته، ضاق بجونسون المُطاح به في بريطانيا حين طلب منه الأخير في قمة الدول السبع أن يساعد البشرية بالكف عن استخدام الوقود الأخضر، وأن تُخصص الأرض الزراعية في الولايات المتحدة لمحصول القمح والأرز وبذلك يتوفر للبشر ملايين الأطنان من الغذاء، رد بايدن بما هو مكتوب لديه: قد يتضرر المزارع الأمريكي.

لم يخطر بباله أن المزارع الذي يتضرر بمبلغ زهيد سينقذ آلاف الجوعى، وأن الأرض ماهي إلا نقطة صغيرة إن اختفت فلن يكون حدثًا كونيًا مهمًا.

هذا القول يخبرون به الشعوب التي يقللون من وجودها، ويدفعون بنا للسفر بعيدًا عن الحقل نحو المجرات. وبينما نقول لهم إن الأمهات جوعى يفتحون لنا شاشة في الجدار لكنك لن تنفذ بها من الغرفة.